كان من الطبيعي أن تكون الأندية الأدبية حاضرة ولم تهمش في 'عكاظ'، فجلّ المشاركين في الفعاليات من أعضائها مع حضور كريم لبعض رؤسائها قدموا تعبيراً عن مسؤوليتهم الثقافية دون مقابل
أنطلق ـ هنا ـ إلى عدة منعطفات، آثرت أن يكون مقالي فيها توصيفاً في نقاط؛ وفاءً للواقع وشدهاً بسوق عكاظ وفعالياته، وملاحظات يحفها الألم أحياناً:
مهرجان سوق عكاظ تظاهرة فرضت نفسها لتكون أبرز ضلع من أضلاع الثقافة في المملكة، محفل عربي قدم نفسه باسترجاع متطور، استمد قوامه بإحياء الموروث الأدبي والتراثي ليتقاسم مع الحاضر والمستقبل كرواية تكاملية في سجل التاريخ تكتبها مشروعات عصرية تحمل رؤية الماضي والمستقبل.
ما يشمله سوق عكاظ من فعاليات ثقافية ومسرحية وأمسيات وندوات غدت رافداً متميزاً لأدبنا وثقافتنا، ومنبعاً لقراءة الفكر والثقافة، ومساهمة في بناء الوعي بالتاريخ والتراث بما يسير عليه حاضرنا وبما يتطلع إليه مستقبلنا مع ارتقاء بالرؤية الأدبية والتراثية القديمة لتتوازى مع الحديثة في الثقافة والأدب والشعر حتى تجاوزها إلى الأنشطة التشكيلية والمسرحية والعلمية وتشجيع المواهب..
جهود تطوير سوق عكاظ المتواصلة بدءاً من إعادة إطلاقه قبل سبع سنوات وانتظام انعقاده كل عام، وربطه بالتنمية المستقبلية، جعلته ينمو بوتيرة متسارعة، يقف خلف ذلك خطة عشريّة كحافز استراتيجي لتقديم المزيد من الإبداعات، وإيجاد تصورات أكثر شموليّة فكان أحد مخرجاتها ما أعلن عنه أمير الفكر خالد الفيصل بمشروعين رائعين، الأول أكاديمية الشعر العربي، والثاني نافذة المستقبل، والتي ستمثل السوق تعبيراً عن قيمة الامتداد الحضاري بصورته التاريخية والمستقبلية مع مواكبة العلم والمعرفة وتقديمها كمنتجات وابتكارات يستثمرها اقتصاد المعرفة.
ومن هنا، لست بمتحدث رسمي عن سوق عكاظ، ولكن من باب الإنصاف وإحقاق الحق والمشاركة في المسؤولية الثقافية والأدبية، وللأمانة وانطلاقا منها فقد تفاجأت كغيري من بعض رؤساء الأندية الأدبية عندما ألقى باللائمة على المنظمين في سوق عكاظ وبعضهم ظهر وعبّر بـخدش الصورة.. وبتصريحات مع منطق مثير لأنهم تلقوا دعوات لحضور فعاليات السوق دون نفقات بطاقات السفر والإقامة، فبدؤوا يؤولون بتساؤلات وتكهنات غريبة لم يكن فرضاً أن تصدر من مسؤولين عن قيادة الثقافة والأدب في وطني!
وفي هذا الاتجاه سأحاول هنا أن أعرج على ثلاث نقاط لفتتني:
أولها: أن موازنات سوق عكاظ غير حكومية وليست كالجنادرية ومعرض الكتاب وملتقى المثقفين والأدباء وغيرها من المهرجانات الثقافية التي تقف وراءها وزارات وترصد لها الميزانيات.. فكيف ينتظر المصرحون والغاضبون من سوق عكاظ دفع تكاليف السفر والإقامة، رغم ضخامة موازنات الأندية الأدبية، فما الضير أن تدفع منها لرئيس النادي؟
ثانياً: كانت الدعوات الصادرة والمعلنة من سوق عكاظ 2000 دعوة، ولكنها منطقياً لا يمكن أن تكون جميعها مدفوعة التكاليف كما ذهب إليه البعض، وهنا إجحاف كبير لأن أعتى وأكبر تظاهرة ثقافية تصعب عليها استضافة هذا العدد الضخم، كما أن فنادق محافظة الطائف لا تتسع في الوقت نفسه لألفي غرفة!
ثالثهما: ولأن الأندية الأدبية تعد من أبرز المنابر الأدبية والثقافية، فكان من الطبيعي أن تكون حاضرة ولم تهمش في سوق عكاظ ، فقد قرأنا وشاهدنا أسماء المشاركين في الأمسيات والندوات والفعاليات فوجدنا جلهم من أعضاء الأندية الأدبية مع حضور كريم لبعض رؤساء الأندية الذين قدموا تعبيراً عن مسؤوليتهم الثقافية ودون مقابل!
آخر منعطف، إنصافاً وشدهاً بتنظيم سوق عكاظ، فيبهرك الحضور المنظم والأنموذج المشرف لتنظيم فعاليات السوق، فإنصافاً ووفاءً نشكر جميع القائمين على سوق عكاظ من القيادات والشباب المتطوعين من أطباء وأعضاء هيئة تدريس وطلاب جامعات.. فقد تميزوا باحترافية العمل المهني التكاملي وبأناقة التواصل، وحماسة تكامليّة تتناثر في كل اتجاهات السوق وزواياه وبين حروف مشاركاته ورؤى وجوده.. باختصار عندما تكون الرسالة (مسيرة) والأهداف (تنمية) وطن، فقطف ثمارها نجده يانعاً يسر الناظرين والمنصفين.