من الضروري إصدار قانون يجرم الحض على الكراهية، وتحويل المنابر لاستغلالها في الأمور السياسية، ومعاقبة الخطباء المخالفين بشكل صارم

كشفت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة عن إيقافها 18 خطيبا عن إلقاء خطب الجمعة في مساجد بـ6 مدن في المملكة خلال الشهر الماضي. بسبب تجاوزات ارتكبها الخطباء ورصدتها الوزارة خلال خطبهم، إذ اشتملت على مواضيع سياسية شائكة على خلفية الأحداث التي تشهدها بعض الدول العربية. وضمن أساليب معالجة الوزارة للمخالفين، ذكر وكيل الوزارة لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، الدكتور توفيق السديري: أن 18 خطيبا في مناطق عدة من السعودية تمت معالجة حالتهم والتحقيق معهم وطي قيد بعضهم، بسبب تجاوزات تتعلق بإثارة الفتنة والخروج بمنبر الجمعة عن مقتضاه الشرعي.
إنني أتساءل: هل هُناك ضمانات كافية توفرها الوزارة لحماية المساجد من التوظيف السياسي والمذهبي والحزبي؟ هل الاكتفاء بطي القيد والإيقاف هي إجراءات كافية للردع؟ هل مثل هذه المعالجات كافية للقضاء على ظاهرة اختطاف المنابر واستباحتها من قبل بعض الدعاة؟ خاصة وأننا نتحدث عن 18 خطيبا خلال شهر واحد فقط!، فلننظر مثلا إلى الحادثة التي وقعت قبل أسابيع في أحد الجوامع في الرياض، بعدما دعا الإمام في خطبة الجمعة على وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي، والفوضى التي تسبب بها داخل المسجد!.
حقيقة كنت متابعا للتصريحات التي أصدرتها الوزارة بشأن الحادثة على لسان المتحدث من قبيل:
1- الوزارة لا تؤيد تسييس خطب الجمعة، ولا ترضى بتحويل المنبر من وظيفة شرعية إلى سياسية، فهذه الأمور غير مناسبة!.
2- الوزارة تعمل على مناصحة الأئمة حال تجاوزهم لتبيان الخطأ الذي وقعوا فيه عن طريق خطاب مكتوب، على أن يُطوى قيد الإمام في حال معرفة عدم فائدة الإصلاح به، وذلك بعد مروره بتعهد ومنعه لمدة محدودة من الخطابة...
المُلاحظ على هذه اللغة أن الوزارة ما زالت تصريحاتها ناعمة في إطار التوجيه والنصح على طريقة ينبغي ولا ينبغي وفي أحلك الأمور تصل المعالجة إلى التوقيف وطي القيد لا أكثر! والنتيجة ستكون بكل بساطة هي الاستمرار في التجاوزات؛ لأنه ليس هناك رادع قوي.
إنني أتصور أن الحل الجذري لهذه القضية يكمن في نقطتين: أولا، ضرورة إصدار قانون يجرم الحض على الكراهية وتحويل المنابر لاستغلالها في الأمور السياسية، ومعاقبة الخطباء المخالفين بشكل صارم؛ لأن اتخاذ بيوت الله - تعالى - منابر لتعميق الكراهية بين أطياف المجتمع هو انحراف كبير وخطير عن الوظائف الأساسية والأهداف السامية للمساجد.
ثانيا، إننا بحاجة إلى رقابة مجتمعية فاعلة، لحماية المساجد وإبعادها عن أنواع الصراعات كافة، ومن ذلك:
1- فرض الوزارة على الجوامع لخطب دورية تعزز فيها مبادئ حقوق الإنسان واحترام الأديان والمذاهب كافة.
2- عمل مطويات ونشرات في داخل الجوامع يتم فيها رفع وعي المجتمع بأن الجوامع بيوت للعبادة والصفاء والسكينة، بعيدة كل البعد عن الخلافات والنزاعات الفئوية.
3- تخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى من المواطنين فيما يخص المساس بحرمة بيوت الله – تعالى- في الأغراض السياسية والطائفية.
4- عقد شراكة مع مؤسسات التنشئة الاجتماعية على عمل ميثاق شرف مجتمعي في أن تظل المساجد للعبادة والارتقاء الروحي، بحيث يكون الرأي العام هو الحصانة ضد المتجاوزين من الخطباء والدعاة؛ لأن هذه الظاهرة لن تختفي ما دام أن هناك من يؤيدها في المجتمع تحت مبررات واهية، يبثها بعض الدعاة من أن من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، نعم ولكن بالمقدار الذي يجعل المسلمين متحابين متوحدين فيما بينهم، لا أن يزيدهم في ذلك كراهية وتشرذما.