ربما غفل الكثير عن أن كل التطورات والتداعيات التي طرأت على القرار الأميركي بخصوص توجيه ضربة عسكرية عقابية لسورية جراء استخدامها السلاح الكيماوي في الغوطة كان وراءها سؤال صحفي طرح على وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولست أدري ما إذا كان ذاك السؤال قد طرح بخبث وأعد بعناية واستقصاد وما إذا كان هناك شخص أو جهة تقف وراء ذلك السؤال أم أنه كان عفويا، إلا أن المؤكد والمشاهد أن ما أعقب الإجابة على ذلك السؤال أثبت أنه هكذا هي السياسة تطل بـقذارتها وتحولاتها التي لا تعرف مبدأ ولا قانونا ولا منطقا وتدوس على الإنسانية وحقوق الإنسان.
ولطالما قلت إنه تضحكني عبارة (الصداقة) التي يرددها الساسة وقلت إنه لا يوجد في السياسة سوى (المصلحة)، فها هي تطورات الوضع السياسي حول سورية تعزز هذا، فالتهديد بضرب سورية والتأكيد على ضرب سورية بهدف العقاب والتأديب والردع جراء استخدام السلاح الكيماوي بات في لحظة توجها لا قيمة له ولا مبرر له، وشطبت صفحات وساعات استهلكت لتبرير تلك الضربة في البرلمانات والمؤتمرات السياسية والصحفية.
ببساطة شديدة سؤال من صحفي لوزير خارجية أميركا دفع به إلى إجابة محددة التقطتها روسيا بخبث وحولتها إلى مبادرة محرجة للرئيس الأميركي باراك أوباما الضعيف ووزير خارجيته غير المتمكن، وبالتالي ظهرت أميركا بعظمتها وتاريخها هرة أمام الدب الروسي، وكانت الفضيحة الكبرى في عالم السياسة القذر كما قلت أن كل تلك التحليلات والتبريرات لأسباب الضربة وضعت في سلة القمامة، واستبدل العقاب من ضرب اللص إلى الطلب منه تسليم سلاحه الذي استخدمه في جريمته فقط ليكون حرا طليقا!
قلت في مقالتي السابقة موقفي من ضرب سورية، ولست حزينا على مؤشرات عدم الضرب، فلعل في ذلك خيرا لا نعلمه أو دافعا لتغيير الكثير من واقع اللعبة في المنطقة وحافزا للكثيرين بعدم الاتكاء والتعويل على أصدقاء غير أوفياء، أو لا يمكن التنبؤ بما يفعلون، لكنني وددت تعزيز ما أقول منذ سنين من أن الاعتماد على الذات ومن ثم التعامل مع كافة القوى وفق المصالح المشتركة والمتبادلة هو ما ينبغي أن يكون، خاصة لمن لديهم من الإمكانات والمقومات ما يجيز لهم لعب ذلك الدور، أما المراهنة على العاطفة وما يسمى بالصداقة فذاك أمر لا يمكن الاعتداد به متى ما تضارب مع مصالح الأصدقاء، فها هو كلام أوباما ووزير خارجيته وبقية أركان فريقه السياسي عن مشهد أطفال سورية الذين قضى عليهم السلاح الكيماوي تم (لحسه) وبات الحديث كما أسلفت مقتصرا على أن يسلم اللص سلاحه ويمكنه فيما بعد من البقاء في بيته ليمارس حياته كما كانت ويواصل قتل الناس من جديد، ولكن بسلاح آخر لا يدخل ضمن المحرمات الدولية!