قامت منظمة الصحة العالمية بمراجعة تعريف حالات الاشتباه والإصابة بفيروس كورونا للمرة 'الرابعة' قبل شهرين لتتواكب مع سلوك الفيروس مجهول المصدر
قامت منظمة الصحة العالمية بمراجعة تعريف حالات الاشتباه والإصابة بفيروس كورونا للمرة الرابعة قبل شهرين لتتواكب مع سلوك الفيروس مجهول المصدر، ولكن يبدو أن مراجعات المنظمة للتعريفات وتحديثاتها كانت بسرعة يصعب على وزارة الصحة اللحاق بها، وهذا يفسر بؤر المستشفيات خلال الخمسة أشهر الماضية في كل من الأحساء والشرقية والطائف وعسير وحفر الباطن والمدينة المنورة والرياض بحسب بيانات وزارة الصحة الإعلامية.
بزيارة سريعة لموقع وزارة الصحة وصفحته المخصصة لفيروس كورونا، وتحديدا تحت تنظيمات الكادر الصحي، نجد أن الوزارة لم تقم بتحديث الإجراءات المتبعة للحالات المشتبهة أو المؤكدة بالمرافق الصحية، فهي ما زالت تستخدم التعريفات الإكلينيكية فقط، من دون التعريفات الوبائية للحالات، الصادرة من منظمة الصحة العالمية العام الماضي! أي إن الوزارة لم تعبأ بأهم سلاح لاحتواء التفشي، وهو إطلاع الطواقم الصحية بمستجدات التوصيف الإكلينيكي والوبائي للحالات التي لا أعراض لها والمشتبهة والمؤكدة حتى يتسنى لهم تمييز وتشخيص الحالات مبكرا، ومن ثم اتباع احتياطات مكافحة العدوى بدلا من تركها تنتقل بلا عزل من أقسام الطوارئ والعيادات للأشعات والمختبرات وأقسام التنويم والعنايات المركزة وتعريض الطواقم الصحية والمرضى الآخرين لخطر العدوى والتسبب في انتشار أكبر قد يصعب احتواؤه من دون إغلاق هذه المرافق الصحية وعزلها.
القاعدة تنص على أن الجمهور لا يمكن أن يتفاعل مع خطورة لم يستشعرها، فلا يمكن لوزارة الصحة أن تطالب الطواقم والمرافق الصحية باتباع احتياطات مكافحة عدوى فيروس كورونا من جهة وتتجاهل إطلاعهم بمستجدات التعريفات وتغيراتها من جهة أخرى.
هذا التجاهل أسهم بشكل كبير في بؤر المستشفيات الحالية التي أدت إلى إصابة 15 ممارسا صحيا وأدت لوفاة 3 منهم، ولا نعلم كم من الحالات المعلنة من غير الطواقم الصحية كانت إصاباتها ناتجة عن وجودها في بؤرة مرفق صحي.
قد يشفع مصدر الفيروس المجهول لضعف أداء وزارة الصحة في احتواء التفشيات المجتمعية، ولكن لا يوجد ما يشفع لها في بؤر المرافق الصحية والتي يعتمد احتواؤها على الالتزام والتنفيذ الصارم لإجراءات مكافحة العدوى، وهو ما يعد من أبجديات الصحة العامة، والمؤكد أن الاكتفاء بنشر هذه الإجراءات على صفحتها الإلكترونية لا يعكس جدية في احتواء التفشيات.
لم تخل أي من البؤر المعلنة من إصابة ممارس صحي واحد على الأقل ووفاة بعضهم، يرحمهم الله، وهذا يشير إلى نمط متكرر من ضعف إجراءات مكافحة العدوى في دلالة على ضعف أداء مركزي بوزارة الصحة في احتواء هذه البؤر والتفشيات. فمن غير المعقول أن يصاب الممارسون الصحيون بكل بؤرة معلنة، إلا إذا كانوا لا يستشعرون خطورة التفشي، وعدم استشعارهم هذا ليس بمستغرب إذا ما علمنا أن وزارة الصحة ما زالت تستخدم تعريفات للحالات من العام الماضي، تم نسخها وإبطالها بأربعة تحديثات من منظمة الصحة العالمية.
إن كانت التفشيات المجتمعية فيضانا، فإن تفشيات المرافق الصحية طوفان لا يمكن إيقافه إلا بإغلاق هذه المرافق وعزلها وحرمان المواطنين من خدماتها لفترة قد تمتد لأشهر، ناهيك عن خسائر الأرواح التي لا ذنب لها سوى أنها أقسمت على خدمة مريض ووثقت بنظام صحي لحمايتها بإطلاعها وإعلامها لتتخذ قرارات مستنيرة لنفسها ومرضاها الذين اقتادتهم الأقدار لطلب علاج من مرفق موبوء خطر.
ومع ذلك فإن الوضع الحالي يمكن احتواؤه طالما أنه ما زال بؤرا متفرقة، ولعل البداية تكون بتقييم وضع هذه البؤر عبر زيارة التنفيذيين لها للوقوف على إجراءات مكافحة العدوى وتشخيص موضع الخلل ومن ثم تحديد الأولويات وخطط الاحتواء، كإغلاق مرفق بالكامل أو جزئيا والتوعية الإكلينيكية والوبائية والإدارية بتحديد مؤشرات الرصد والمتابعة.
نحن لا نملك امتياز تجاهل هذه البؤر لما تحمله من مخاطر صحية وأخلاقية وقانونية على المواطنين والطواقم الصحية.
نحن لا نملك امتياز تجاهلها وغض البصر عنها وتعريض هؤلاء المواطنين والطواقم الصحية لخطر العدوى، وهم مقبلون على خدمة حجيج بيت الله وهي الشرف الذي لطالما فخرت به المملكة وتوارثته جيلا بعد جيل.