الواجبات المنزلية في مدارسنا عشوائية لا تستند كميتها ولا نوعها على نتائج دراسات علمية، وليس هناك وضوح في مدى انعكاس تقييم المعلمين لها على مستويات الأطفال، ولا يُعرف كم نسبة إسهام هذه الواجبات في تقدم التحصيل العلمي للأطفال
تقول دراسة حديثة نشرت نتائجها في مجلة التايم لهذا الأسبوع إن معظم الواجبات المنزلية مبنية على مفاهيم قديمة وغير فاعلة، وقد كثر الحديث عن الواجبات المنزلية: نوعها وآثارها وطرق تقييمها وفاعلية التقييم وأثره على مستوى التعليم، وتعرضت للنقد الشديد لهزالة بعض هذه المراحل وهامشيتها وعشوائيتها إلى درجة أن المتعلم لا يناله من تلك الواجبات إلا السهر والتعب، حتى إذا ما أنهى واجباته وجد أنها تقيم بشكل عشوائي أو لا تقيم أصلاً وأنها كماً ونوعاً لا تُبنى على طرق وأساليب ومفاهيم صحيحة، وأن المتعلم في النهاية يتم تقييم واجباته بناء على حسن مظهرها والألوان الزاهية المستخدمة فيها، وبعبارة أخرى يقيم الجانب المظهري Cosmetic منها ويا للأسف الشديد.
هذا هو الجدل الأزلي الدائر حول الواجبات المنزلية، وتأتي هذه الدراسة لتؤكد وتعزز ما ذُهِبَ إليه من واقع سلبي وسيئ للواجبات المنزلية التي ينشغل بها أولادنا لفترة طويلة دون فائدة تذكر أو عائد تعليمي مجدٍ.
وتسأل هذه الدراسة: ما هو التأثير الذي تحدثه الواجبات المنزلية التي تعطى للأطفال للعمل عليها بعد اليوم المدرسي وما مدى مساهمتها في تقدمهم العلمي؟ وتجيب الدراسة بالقول: إن هناك شواهد ودلائل توضح أنه الآن قد ثبت أن الواجبات المنزلية لا ترفع درجات الطلاب في التحصيل العملي وتضيف: أنه بناء على استفتاء فقد اتضح أن هناك زيادة ملحوظة في الوقت الذي يقضيه الأطفال في الواجبات المنزلية وذلك خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن ذلك لم يكشف تقدما في مستوى الطلاب في المواد الأساسية: القراءة والعلوم والرياضيات، واستندت الدراسة على نتائج برنامج تقييم الطلاب الأجانب Program for International Student Assessment (PISA). وتقول الدراسة إنه في عام 2008 أُجِري استفتاء على الآباء والأمهات يستطلع تقييمهم للواجبات المنزلية، وكانت نتيجة ذلك الاستفتاء هو أن تقييمهم هو: عادلة Fair أو سيئة، وقال أربعة من كل عشرة من الوالدين أنهم يعتقدون أن بعض الواجبات المنزلية أو معظمها هي لإشغال الأطفال فقط Busywork. واتكأت هذه الدراسة على نتائج دراسة نشرت في مجلة مراجعات اقتصاديات التعليم فحواها أن الواجبات المنزلية لها تأثير قليل أو عديمة التأثير على درجات التحصيل العلمي، ولكن هذه الدراسة تشير إلى وجود تأثير إيجابي للواجبات المنزلية على الرياضيات، وتوضح الدراسة أننا محظوظون لأن هناك من الأبحاث والدراسات في متناول الوالدين والمعلمين ومسؤولي التربية والتعليم لجعل الواجبات أكثر ذكاءً بالرغم من أن هذه المفاهيم لتطوير الواجبات المدرسية تطبق خارج الفصل الدراسي.
وتشير الدراسة إلى مفهوم جديد هو العقل والدماغ والتعليم الذي ظهر مؤخراً ويختص بالمساعدة والتطوير للكيفية التي يتشرب بها الأطفال المعرفة ويحتفظون بها ويستخدمونها في حياتهم العامة، وباستخدام هذه الطريقة بالتعاون بين علماء النفس في جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس والمعلمين في ذلك المجتمع الذي يحتضن مدرسة كولومبيا المتوسطة ارتفع مستوى طلاب الصف السابع والصف الثامن في اختبار العلوم والدراسات الاجتماعية بنسبة وصلت بين 13% إلى 25 %، وقدمت هذه الطريقة أسلوباً جديداً متميزاً أسموه طرق تدريس التخصصات، وهو أسلوب لم يعتده الطلاب لكنه بسيط وسهل التطبيق ويجعل الواجبات المنزلية ناضجة تناسب التطوير الذي يحدثه هذا النوع من الطرق، وتشرح هذه الدراسة هذا التكنيك بوضوح، وبينت الدراسة أن هناك مفاهيم مغلوطة لدينا في طرق التدريس تجعل من الواجبات المنزلية قليلة التأثير على التعلم الفاعل. منها ما نعتقد أن المعلومات التي يتشربها الأطفال بسهولة أنهم بذلك قد تعلموا جيداً وهذا مفهوم خاطئ، والصحيح أنه كلما بذل الطلاب جهداً كبيراً في عملية التعلم كان تعلمهم أكثر فاعلية، واستدعاؤهم للمعلومات والمعارف التي تعلموها لتطبيقها في حياتهم أكثر فاعلية وجدوى.
وتخلص الدراسة إلى اعتبار الواجبات المنزلية للأطفال تقاعسا أكاديميا وبطيء التبني من قبل طرق تعلم مبنية على نتائج دراسات علمية، وليس غريباً أن تهاجم الواجبات المنزلية من كل الاتجاهات سواء من يراها تعطى بكميات كبيرة أو تعطى باعتدال، وتستنتج الدراسة أن الجدل الساخن في هذه القضية يمكن أن يهدأ إذا انقدح بشكل واضح أن الواجبات المنزلية تعزز التعلم، وتضيف أن الدراسات الخاصة باستراتيجيات الواجبات المنزلية فرصة غير مستغلة untapped opportunity لأن الدراسات المتعلقة بهذه القضية أوضحت لنا كيف يمكن تحويل الواجبات المنزلية إلى حافز قوي للتعلم، ومن هذا المنطلق يجب على هذه المدارس أن تجعل ذلك يحصل.
وخلاصة القول: الواجبات المنزلية في مدارسنا عشوائية لا تستند كميتها ولا نوعها على نتائج دراسات علمية، ولا تقيم بشكل دقيق، وليس هناك وضوح في مدى انعكاس تقييم المعلمين لها على مستويات الأطفال، ولا يُعرف كم نسبة إسهام هذه الواجبات الدراسية في تقدم التحصيل العلمي للأطفال، ولا تُعرف درجة صعوبة الواجبات المنزلية ولا الكمية ومدى درجة الصعوبة الملائمة لكل طالب بل تعطى لكل الطلاب المتميزين منهم والأقل تحصيلاً بدرجة واحدة كمقياس جاهز يستخدم لكل الطلاب بصرف النظر عن مدى الاستفادة من عدمها من هذه الواجبات.
آن الأوان أن تقوم جهة مختصة بالاطلاع على الأبحاث والدراسات الخاصة باستراتيجيات الواجبات المنزلية وتدريب المعلمين عليها حتى لا تكون تلك الواجبات كما تقول الدراسة التي نستعرضها في هذا المقال: فرصة غير مستغلة، وبالتالي مضيعة للوقت والجهد وما ينتج عن ذلك بالتالي من معاناة الأطفال منها. إن استمرار وجود الفرص غير المستغلة مأساة يجب التنبه لها.. العالم اليوم يبني كل تقدمه على الدراسات والأبحاث وكثير من القضايا درست وعولجت، صحيح أنه قد تكون نتائج الأبحاث المعمولة خارج مجتمعنا غير ملائمة لمجتمعنا لكننا يجب أن نستفيد من تلك الأبحاث بأن نعيدها على عينات ممثلة من مجتمعنا بما نعرفه نحن الأكاديميين بـالنسخ المتماثل replication لتلك الأبحاث لتخرج النتائج مطابقة لواقعنا ونحقق الفائدة منها.
إن الاستمرار في غي إعطاء الواجبات المنزلية بالشكل الذي عفا عليه الزمن وانتهى وقته ظلم للمتعلم والوالدين والمجتمع والوطن بأسرة، لأنه يضيع وقتا ثمينا يمكن استفادة أطفالنا منه فيما ينفعهم لخدمة أنفسهم ووالديهم ومجتمعهم ووطنهم.. فهل نستجيب؟