كانت هيئة الإذاعة البريطانية - منذ سنة 1338- أنموذجا ممتازا للإذاعات التي تقدم للمستمع العربي ما يخفى عليه من أخبار، وما زالت جملة: هنا لندن ترن في أسماع المستمعين العرب من المحيط إلى الخليج، بل إن من الذكريات الإعلامية أن كبار السن كانوا يبحثون عن الأنواع الممتازة من أجهزة الراديو كي يستطيعوا التقاط أثير لندن.
ومع الثورات العربية، ودخول القنوات الفضائية في المعترك السياسي، توقع الكثيرون أن تكون قناة bbc العربية الإخبارية خيارهم المحايد، الذي ينقل الخبر كما هو دون زيادات أو مزايدات أو أجندات جاهزة هدفها التضليل بتقليل الكثرة وتكثير القلة، لكن الظن خاب، ومعه ذابت ـ تماما ـ فكرة وجود إعلام محايد، بعد أن تعرضت القنوات الإخبارية العربية إلى هزات قوية، وصار لكل قناة مؤيدون ومعارضون ومحبون وكارهون، بعد أن صار نقل الأخبار شبيها بالخطب العاطفية التي تحاول استدرار التأييد، وتزييف الحقيقة من خلال تسليط الزوم على الزوايا التي تخدم التوجه العام لكل قناة، دون غيرها، مما لا يقدم الحقيقة ناقصة فقط، بل يقلبها قلبا كاملا!
كان البعض يتوقع أن تتجاوز bbc العربية ضعف البدايات التي رافقت نشأتها سنة 2008، وهو ما كان فترة من الزمن، لكنها لم تلبث أن وقعت في فخ الإعلام الموجه، وبخاصة مع الأحداث الأخيرة في مصر، حتى إن البعض صار يضعها هي والجزيرة في كفة واحدة، بسبب الميول السياسية لبعض العاملين بها.
لقد بات المشاهد العربي في حيرة من أمره؛ إذ لم يعد يجد حيادا ولا مصداقية، وهو يتساءل في الوقت ذاته: لماذا تؤثر ميول البعض على التوجهات العامة لمؤسسات إعلامية عريقة؟ وهل هذه القنوات تعمل دون خط مهني واضح، لا يحيد عنه أحد، مهما بلغ به الحب أو الكره؟
تتواصل الأحداث، ومعها تتواصل الحيرة، ولم يبق لنا سوى أن نقول: حتى أنت يا bbc!