بالتأكيد سوف تفرح عندما يبلغك الطبيب أنه اكتشف الداء، وسوف تطمئن عندما يكتب الدواء ويشرح طريقة العلاج. لكن رغم ذلك سوف تنتابك حالة من القلق خشية ألا يفلح الدواء. خالجتني هذه المشاعر من الخوف يوم الخميس الماضي، وأنا أستمع للطبيب وهو يصف العلاج الذي باتت جُدتي، وهي مدينتي جدة المتدثرة بتاريخها، والفاتنة بقامتها، في أمس الحاجة إليه؛ لمواجهة الحالة المرضية للمباني التاريخية المعروفة بـ (منطقة البلد).
علاوة على خصائص جدة الجغرافية ومكانتها التاريخية وأهميتها الاقتصادية، إضافة إلى ميزتها الثقافية والحضارية كونها نافذة بحرية للتبادل الثقافي بين الداخل والخارج، تأتي منطقة البلد وسط هذه الأهمية. فبيوت جدة القديمة تتميز بخصائص معمارية متحضرة، فريدة في الشكل والجمال. تتمثل في الرواشين وحفرياتها وتكسيات الواجهات بنقوشها وزخارفها، وكذلك العقود والأقواس الداخلية، إضافة إلى مفردات البيت الداخلي، وهي تفوق مفردات البيت الحديث والمعاصر، وتعكس طبيعة الحياة الاجتماعية بعاداتها وقيمها. بهذه الخصائص تطبعت مدينة جدة هوية بنكهة تختلف عن العمران المشابه لها في مصر واليونان والأندلس القديمة. ويكفي مشاهدة مشاعر السياح ومشاعر أبنائنا من الجيل الجديد وهي تحاول الالتصاق بعبق هذا الإرث لنعرف مدى حاجتنا للمحافظة عليه.
طوال ساعة من الوقت أخذ الدكتور عدنان عداس، أستاذ العمارة ومدير تطوير العمران بجدة التاريخية، يشرح طرق العلاج لجمهور جمعية المحافظة على عمران جدة. فبعد قرابة عشر سنين منذ أن كلفته أمانة جدة لدراسة وتقييم المباني بالاشتراك مع خبراء عالميين، وضع خطة للعلاج ضمها كتابه بعنوان الدليل الفني لترميم المباني التراثية في جدة التاريخية. صحيح أنه تركنا مطمئنين لكننا تركناه ونحن قلقون فمن سيتحمل العلاج ومتى يكتمل؟ فلكي نبدأ العلاج علينا وضع خطة تبدأ بالإجابة على سؤال ماذا نريد من منطقة جدة القديمة؟