ما يقوم به الحزبيون من محاولات إشعال فتائل الفتنة بخلق انتماءات جديدة، وبإشعال فتيل العنصرية القائمة على الأفكار، خطر كبير، ويجب ألا نسمح بتقسيمنا على أي أسس، لأن فكرة الانتماء الوطني مقدمة على ما سواها من أفكار متغيرة
تسارع وتيرة الأحداث المحيطة بنا في الآونة الأخيرة، يجعل أي شخص في وطني يتوه، وتختلط عليه الأمور، وليس تسارع الأحداث ـ فقط ـ هو السبب في تخبط البعض من الذين ليس لهم رأي مستقل، بل إن ما زاد الطين بلة تضاربها، وتضارب الأفكار، فكل يدعي أنه على حق، وهذا الأمر أدى إلى حالة تسمى ـ في لغة الحاسب ـ هنق، أو تهنيق، أي توقف عقله عن العمل بسبب الرسائل المتسارعة والمتضاربة، فعقل الإنسان كجهاز استقبال يلتقط جميع الموجات ويقوم بترجمتها وتحليلها بوصفه العقل الواعي، وعندما تتضارب الذبذبات ينعكس هذا على أفكارنا سواءً سلباً أو إيجاباً.
لنبدأ بيوم الجمعة، عندما قام إمام مسجد بالدعاء على بشار والسيسي، وبسبب دعائه على الأخير، وقف أحد الإخوة المصريين احتجاجاً على دعائه، ولم تكن أبداً هناك حاجة لتدخل أحد المصلين وتطاوله بالضرب على المواطن المصري، فهل أصبحت بيوت الله التي يقام فيها الذكر والقرآن مسرحا للمهاترات السياسية، وحلبة ملاكمة لفرد العضلات، إلا في ظل الحزبية المقيتة؟
وما حدث في مصر أخيرا، من اعتصامات وقتل واختطاف في داخل المسجد، يجعلنا نتساءل: هل فقد الإنسان توازنه من كثرة ما سال من الدماء؟ أم أن هذا تخصص لدى بعض رجال الدين السياسي، بحيث ترتبط الحركات السياسية التابعة لهم بالمساجد والأماكن المقدسة؟ كحركة الفئة الضالة التي اقتحمت بيت الله الحرام، في مطلع هذا القرن الهجري، إذ ما إن انفضّت الصلاة بكل روحانيتها، حتى قاموا بإطلاق النار، ويقال حينها إن أحياء مكة المكرمة ـ شرفها الله ـ كانت ترى الأدخنة من جهة الحرم بكل وضوح نتيجة إطلاق النار داخل الحرم الشريف، فيا له من مشهد مؤلم لكل ذي إيمان!
إن مثل هذه الأحداث، تجعل من الواجب أن نعيد النظر في تماسكنا، وفي وطنيتنا وانتمائنا، لنكون على قلب رجل واحد، فقد لفت نظري جهل كثير من الناس بمفهوم الوطنية، لذلك سنتناول فيما يلي شرحا مبسطا عن هذه الكلمة، لندرك أنها مصير، وأنها مستقبل، وأنها أكبر من أن تكون شعارا فقط: فـالوطنية أو وطنية، مصطلح يستخدم للدلالة على المواقف الإيجابية والمؤيدة للوطن من قبل الأفراد والجماعات، وبمعنى آخر، وطنية تشير إلى ارتباط وثيق بالوطن، وهي مأخوذة من موطن أو وطن، كجملة فخر الصناعة الوطنية التي تشير إليها مثلا، وتدل على انتماء حقيقي إلى الوطن، نقول أيضا: منتجات وطنية ونعني أنها مصنوعه داخل الوطن وليست مستوردة. وارتبط الوطن ـ غالبا ـ بتوسع حدود انتشار مجموعة بشرية تتكلم لغة واحدة، وتشعر أنها من منبع واحد، وذات مصير واحد، وسيرورة زمنية واحدة، إلى الأمام أو الخلف، وكي تكون وطنيا يجب أن تفخر بتراثك وتاريخك المشترك، الذي سهل بناء علاقات مشتركة وبالتالي مصالح قوية بين من يوصفون بأنهم مواطنون.
وما نعرفه الآن من مفهوم الوطنية والوطن مرتبط ـ فقط ـ بالحدود الجغرافية، ولم يكن هذا هو المعروف سابقا. فالوطن هو الأرض والأرض هي التي تعد شيئا مساويا لشرف وكرامة الإنسان. الأرض التي كانت الحروب تقوم من أجلها ولها قدسية تاريخية لأنها ترتبط بتاريخ الشعب، وتشهد على حضارة أمة، وتحولات الشعب الذي يموت ويحيا من أجل الوطن، لأنه لا حياة لإنسانٍ دون وطن، ولا كرامة له كذلك دونه، بل ولا مستقبل ولا نهوض ولا فنون ولا آمال دون وطن معروف الحدود والسمات، لذا يجب أن تذوب أمام الوطن المرتبط بالمصير كل الانتماءات الأيديولوجية المتغيرة بتغير الأزمنة والمنظرين، ويبقى الانتماء إلى الوطن لأنه الأسمى والأبقى والأكثر رسوخا.. لذلك كله: #أنا وطني.
إن ما يقوم به بعض الحزبيين ـ للأسف ـ من محاولات إشعال فتائل الفتنة بخلق انتماءات جديدة، لأن انتماءهم إلى الأفكار، أو الأحزاب أقوى من انتمائهم إلى الوطن، كما هو الحال من قيام أحد المشايخ ـ في ظل انقسام أغلب مواطني الدول العربية ـ بإشعال فتيل العنصرية القائمة على الأفكار، خطر كبير، ويجب ألا نسمح لذلك الشيخ الذي تتابعه الملايين عبر صفحته في تويتر أو غيره بتقسيمنا على أي أسس، لأن فكرة الانتماء الوطني مقدمة على ما سواها من أفكار قد تتغير، أما الوطن فهو ثابت بإذن الله، ولنضع في وجه كل هذه الأفكار التفتيتية درع #أنا - وطني.