ما إن اعتقل المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر الأسبوع الماضي حتى سارعت الجماعة لتعيين مرشد موقت ريثما يتبين لها وضع المرشد المعتقل. ليظهر الإخوان المسلمون وكأنهم لا يستطيعون العيش من غير مرشد يوجههم ويعلمهم كيف يتحركون ويفكرون، وربما يخطط لهم عن بعد، وما عليهم إلا التنفيذ لإكمال مشروعهم في تحويل مصر إلى كتلة من الفوضى إلا إذا عادوا إلى سدة الحكم.
المشروع الإخواني القديم الذي تكلل بالنجاح يوم استلموا السلطة في أكثر من دولة عربية بدأ يتراجع بعد أن اكتشفت الشعوب أن هؤلاء المتحدثين باسم الدين ليسوا إلا ثلة من المتسلقين، استغلوا الإسلام مدخلا للوصول إلى الجماهير، وظلوا ينادون بذلك متوارين تحت الستار الديني حتى جاءتهم الفرصة الذهبية التي أهدروها، فسقطوا شر سقطة، ووضعوا أنفسهم بعد اعتمادهم العنف وسيلة للعودة في ورطة كبيرة، ويبدو أن عدم قدرتهم على استخدام وسيلة أخرى بعد انكشاف الأقنعة لن يقودهم إلا إلى استمرار العنف.
منذ تأسيس الجماعة وهدفها معروف، ورغم أنها شهدت منعطفات لعل أهمها ما صنعه سيد قطب بأفكاره التي أصدرها في مؤلفات، ومنها أفكار مسروقة كما في حكاية الحاكمية التي نادى بها أبو الأعلى المودودي لكن قطب وظفها بما يخدم غاية الإخوان في الوصول إلى السلطة. وإلى ذلك فقد وضع أفكاراً أخرى كانت مبرراً للكثير من أعضاء الجماعة خصوصاً الموجودين في الخلايا السرية لاستخدام العنف الذي يصل حد القتل لمن يقفون في طريق أهداف الجماعة.
تنظيم على هذه الشاكلة لا يفترض أن يكون له مكان على الواقع بين شعوب تحلم بالغد والمستقبل التنموي إلا إن تغيرت أفكاره وقرر الاندماج في المجتمعات ليتعايش معها بدل أن يتسلط عليها ويحمل السلاح ضدها، لكن المشاهد والحقائق تشير إلى أن الأفكار تلك من الصعب أن تتغير، فالإخوان المسلمون الذي صُعقوا بالرفض الشعبي العارم لهم بعد أن تجاوزوا مرحلة الـ80 عاماً من العمل المنظم للوصول إلى الحكم، أصابتهم هستيريا غير عادية وهم يرون الحلم ينهار، فمضوا يعيثون فساداً في مختلف مساحات مصر، أما تلك الـ80 عاماً فقد تصبح دهراً وهم ينتظرون من غير جدوى تحقيق الحلم مرة ثانية نتيجة ما فعلوه خلال الأسابيع الماضية.
لن ينفع الإخوان مرشدهم البديل، ولن يفيدهم إحياء أفكار قطبهم، فالشعب الذي وثق بهم - وإن كان جزئياً - قد انتفض بعد أن جرب مرارة أيامهم، ولن يفيدهم هذه الأيام سوى صوت العقل، وكل ما يحدث يؤكد أنهم أبعد ما يكون عن ذلك الصوت.