بكل بساطة خطيب بأحد المساجد في مدينة الرياض وعبر مقطع يوتيوب تناقلته المواقع الإلكترونية ونشرت الوطن محتواه وصوراً منه زج بنفسه في قضية سياسية اختلف في أمرها كبار المحللين السياسيين الدوليين عبر القارات، ليحسم هو أمرها عبر خطبته بالدعاء لما يتناسب مع توجهاته السياسية، مثيرا فتنة الخلاف بين المصلين داخل بيت من بيوت الله، حقه فيه سبحانه أن يُعبد بأدب وخشوع، لكن العقال أبى إلا أن يحضر بين هؤلاء الذين نسوا الأدب مع الله في بيت من بيوته، كما نسي إمام المسجد الذي خطب الجمعة أن للسياسة أهلها ومنابرها، وأنّ دوره محدود على ما ينفع الناس في معاشهم ويومهم، وعليه التطرق إلى مضامين تجمع بين كلمة المسلمين على اختلاف مشاربهم وتوحدهم ولا تثير فتنة الخلاف وتؤجج الصراع والفرقة بينهم! والمؤسف أنه بعد ذلك وبكل بساطة أيضا، يقول: استووا.. ثم يكبر ويبدأ بقراءة الفاتحة بينما يسمع ما تسبب فيه من عراك بين المصلين خلفه!
وأتساءل: هل انتهت مشاكلنا الاجتماعية والأخلاقية حتى يُنظر خطباء المساجد في السياسة المختلف في أمرها في خطب الجمعة التي يُعد حضورها عبادة؟ وبدلا من أن يردوا للأخلاق عمودها، وللقلوب مفاتيحها، وللأبدان آدابها، يؤدون بالمصلين إلى إساءة الأدب مع بيت من بيوت الله، كما فعل هؤلاء المتعاركون! ألا يكفي أنّ كثيرا من المصلين يحضرون الجمعة أسبوعيا فلا يجدون ما يؤثر في سلوكياتهم ولا أفكارهم، كونها لا تُحاكي معاشهم اليومي وإنما تكون إنشائية ومعظمها قص ولصق من كتب التاريخ والسير وبعيدة عن واقع الحياة المعاصرة، أو أن تكون مكررة في مضامين ملّ الناس الاستماع إليها، وليس فيها أكثر من النساء وفتنتهن ومتى يتم لعنهن تناولا! هل انتهت مشاكل الطلاق والعقوق والعنف الأسري والشباب المحبط والكسل الأخلاقي والاستهتار المهني والضعف المعرفي وغير ذلك مما نعيشه ونقرؤه يوميا في صحفنا؟ وكم يحتاج الناس من التنوير وزيادة الوعي كي نؤثر في سلوكياتهم وأخلاقياتهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير والاستقامة! هل انتهينا من ذلك ليدخل بعض الخطباء أنوفهم باستعراض توجهاتهم في قضايا سياسية تتعلق بدول أخرى!
باختصار؛ إن للسياسة أهلها، وبيوت الله تعالى أكبر وأعظم من أن يتم استغلال العبادة فيها بتوجيه عواطف الناس في قضايا حزبية سياسية، تُجيشهم في صف هذا أو ذاك! فالمساجد لله تعالى، والواجب على من يدخلها التأدب مع صاحبها، بداية من الإمام وانتهاء بالمصلين والعاملين عليها، ولطالما أقول إن خطباء المساجد يحتاجون إلى إعادة تأهيل لإعادة الحياة إلى خطب الجمعة، لتكون مؤثرة تصب في توحيد صف المسلمين على اختلاف مشاربهم لا إلى خلافهم، وأن تسعى بهم إلى التضامن مع التنمية الاجتماعية والنهضة بمشروعات الدولة، وهذه لا تتحقق إلا بالتنمية الأخلاقية والإنسانية التي بدورها ستكافح الفساد، قضيتنا الأولى.