في أغسطس 2005، ضرب الإعصار كاترينا ساحل الخليج في الولايات المتحدة، وفي النهاية مات أكثر من 1800 شخص في الإعصار والفيضانات التي تلته. الحدث أهلك الجزء الأعظم من مدينة نيو أورلينز وعدة مدن وبلدات صغيرة أخرى على طول شاطئ الميسيسبي ولويزيانا. الرئيس جورج بوش، فشل في التجاوب مع الكارثة التي شكلت بداية نهاية رئاسته. على مدى السنوات الثلاث والنصف التالية والباقية من رئاسته، كان الرئيس بوش مثل البطة العرجاء، حيث فقد تأييد الشعب الأميركي في لحظة أزمة وطنية كبيرة وفشل في القيادة.
هناك أدلة متزايدة على أن الفضيحة الحالية التي تحيط ببرنامج الحكومة الكبير غير الشرعي للتجسس على جميع المواطنين الأميركيين من قبل وكالة الأمن القومي، قد تكون هي لحظة كاترينا للرئيس أوباما. منذ أن سرب المستشار في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، لأول مرة آلاف الوثائق إلى صحيفتي واشنطن بوست والجارديان، انهارت نسبة تأييد الرئيس أوباما. ليس هناك رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يرفضه بشكل واسع الشعب الأميركي في مثل هذا الوقت المبكر من ولايته الثانية. حتى فشل جورج بوش في التعامل مع إعصار كاترينا لم يسبب مثل هذا الانهيار الكبير في التأييد الشعبي له. ونحن نعرف الآن أن إعصار كاترينا قضى على رئاسة جورج بوش.
إدوارد سنودن مبرمج كمبيوتر شاب حصل على تصاريح أمنية رفيعة المستوى لإدارة أنظمة أمنية للحاسبات الإلكترونية في عدد من وكالات الاستخبارات الأميركية، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي. عاش سنودن حياة متميزة مع تصاريح أمنية رفيعة، راتب ضخم، مع المزايا التي يتمتع بها الذين يؤدون مهمات حساسة خارج البلاد.
في آخر مهمة له، عمل سنودن لصالح شركة كبيرة متعاقدة مع الحكومة اسمها بوز ألن هاملتون في هاواي. ولكن مع مرور الوقت، وصل سنودن إلى نتيجة أنه يعمل ضمن مؤامرة إجرامية عالية المستوى تدار ضد مواطنين أميركيين أبرياء، كل ذلك خلف ستار حماية أميركا من خطر الإرهاب العالمي.
في لحظة ما، قرر سنودن أنه لا يستطيع أن يعيش مع نفسه إذا استمر في كونه جزءا من برنامج تجسس يستهدف الأبرياء. جمع باقة من الوثائق بالغة السرية التي تكشف عمليات وكالة الأمن القومي وغادر إلى هونج كونج، حيث سلم الكنز كله إلى الصحفي في الجارديان والناشط في مجال حقوق الإنسان جلين جرينولد وآخرين.
منذ اللحظة التي ظهرت فيها الأمور التي كشف عنها سنودن في صحيفة الجارديان البريطانية في لندن، تحاول إدارة أوباما جاهدة الحد من الضرر. ومع ذلك في كل خطوة على الطريق، يحتج البيت الأبيض أن البرامج قانونية وتم إطلاع الكونجرس عليها وفندتها المحاكم الفيدرالية بشكل كامل.
الفضيحة ازدادت سوءا بالنسبة للرئيس أوباما عندما كشفت الوثائق عن التجسس على غير الأميركيين، غالبا بالتعاون مع وكالات الاستخبارات في البلدان المستهدفة. وفي أوروبا بشكل خاص، سبب هذا الأمر توترا جديا في العلاقات مع واشنطن.
في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة واشنطن بوست أنه في عام 2012، قدم المفتش العام لوكالة الأمن القومي تقريرا يكشف عن آلاف الحوادث التي تمت خلالها مراقبة المحادثات التلفونية والبريد الإلكتروني لمواطنين أميركيين بشكل غير قانوني. وبقدر ما تسبب الكشف عن هذه الوثائق شيئا بالضرر لوكالة الأمن القومي والاستخبارات الأميركية بشكل عام، فإن الضرر الذي تسببت به على سمعة الرئيس باراك أوباما، كان أسوأ بكثير. في عام 2008، خرج الناخبون – خاصة الشباب - بكثافة كبيرة لانتخاب باراك أوباما. فوز أوباما فهم على أنه تفويض من الشعب الأميركي للعودة عن الإجراءات التعسفية التي تنتهك الحريات المدنية، والتي تم تطبيقها من قبل بوش الابن في أعقاب هجمات 11 سبتمبر. الناخبون الأميركيون كانوا يتوقعون أن يقوم الرئيس أوباما بإلغاء البنود الأكثر تطرفا من قانون الوطنية، والتي تسمح بالقيام برقابة واسعة وبانتهاك الحريات الدستورية. كان من المتوقع أن يقوم أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو وينهي عمليات الترحيل السري للإرهابيين المشتبه بهم.
رغم مرور 5 سنوات على رئاسة أوباما، لم يتم إلغاء أي من هذه البرامج. تم في الواقع توسيعها لتصبح أوسع من المستويات التي طبقتها إدارة جورج بوش. مع الأسرار التي كشفها سنودن، يتم النظر إلى الرئيس أوباما على أنه أكثر انتهاكا للحقوق الأساسية للأميركيين. مستوى الخيبة في أوباما ضاعف من ردة الفعل.
قضية سنودن أثرت على السياسة الخارجية الأميركية بطريقة تظهر مدى انزعاج الرئيس. في الأسبوع الماضي، عندما منحت الحكومة الروسية لجوءا محدودا بحسب القانون الدولي، ألغى الرئيس باراك أوباما اجتماع القمة الذي كان مخططا له مع الرئيس فلاديمير بوتين. وبالإضافة إلى ذلك، أطلق أوباما هجوما علنيا ضد بوتين لا يليق برئيس دولة.
عندما اعتقلت السلطات البريطانية الصحفي جلين جرينولد، وهو في طريقه للخروج من مطار هيثرو، أعلن أنه سيصعد كشف الفضائح. جرينولد أعلن أنه يمتلك 15000 صفحة إضافية من مواد وكالة الأمن القومي. قد تكون قضية سنودن بداية وصول الرئيس باراك أوباما إلى مرحلة البطة العرجاء. لكن القضية لم تنته بعد.