محمد حسن يوسف

لعل السؤال المطروح الآن بين النخبة والمثقفين السعوديين بعد ختام منتدى جدة الاقتصادي الثالث عشر: أزمة الإسكان إلى أين؟ وهل نجح ثاني أهم المنتديات الاقتصادية في العالم وأهمها في الشرق الأوسط في تحديد المسار الصحيح نحو حل القضية التي تؤرق مضاجع المواطن والمقيم في آن واحد.
أزمة الإسكان لا تنحصر في قضية توفير المسكن فقط.. لكنها تدخل في تفريعات عديدة منها قضية ارتفاع أسعار الإيجارات، عدم توفر الأرض الآمنة للبناء، القدرة الشخصية على امتلاك جيل الشباب لمسكن كريم يساعدهم على تكوين أسرة، فقد حددت الأمم المتحدة معايير عديدة للسكن الملائم منها ألا تزيد تكلفته عن (خمس) راتب الشخص وأن يساعد الإنسان على العيش الكريم الآمن.
لا أتصور أن المشكلة يمكن اختصارها في الكلمة البراقة التي قالها عضو مجلس الشورى الدكتور طارق فدعق.. عندما قال في إحدى جلسات المنتدى إن الأزمات التي يواجهها المواطن السعودي تعود في الأصل إلى عبارة (إيش اسمه) التي انتشرت بصورة مبالغ فيها في الفترة الماضية، حيث بات عدم تحديد المفاهيم السبب الرئيس في تعميق الأزمات.
ولا يمكن أن تكون أزمة الإسكان في السعودية مثل (السلحفاة) كما قال جيمي لبرنو المحافظ السابق لولاية بارك في جنوب البرازيل، عندما قال: الناس لا يحتاجون فقط إلى المساكن ولكن للحياة بشكل عام، فهناك مشروعات عملاقة يرفض الناس السكن فيها ويؤكدون أنها ليست ملائمة لهم، فمن المهم أن تنشأ المدن وفق احتياجات السكان، ومن الأفضل ألا نبتعد كثيرا عن المدينة وأن تكون هناك وسائل نقل عام.
ولست متفائلا بنفس الدرجة التي تحدث بها وزير الإسكان الدكتور شويش بن سعود الضويحي قال: إن وزارته تسعى إلى توفير سبل الحياة الكريمة وتأمين السكن المناسب للمواطن، وإنها تعمل على الاستفادة من إمكانات القطاع الخاص والمطورين العقاريين ورفع نسبة مشاركتهم لينحصر دور الوزارة في التنظيم والإشراف.. فجميعنا يعرف أن القرار السامي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء (500) ألف وحدة سكنية بتكلفة (250) مليار ريال، هو الذي حرك المياه الراكدة.
لابد أن نعترف أن هناك فجوة في السكن والعقار.. فهناك أكثر من (5) ملايين شاب سعودي يتلمسون خطواتهم الأولى ويبحثون عن سكن قليل التكلفة يضمن لهم حياة سعيدة، وهناك أراض يتم منحها قد لا تذهب لغير مستحقيها.. بل إن هناك أراضي شاسعة يمكن أن تستوعب مدنا سكنية كاملة تفتح أبواب الأمل والعمل لهؤلاء الشباب.
صحيح أن منتدى جدة الاقتصادي الذي تحدث خلاله (10) وزراء نصفهم من السعودية، وأكثر من (50) خبيرا ومختصا، قدم لنا تجارب رائعة في تركيا وفرنسا وأيرلندا وسنغافورة والبرازيل وتونس.. لكنه أيضا تعامل مع القضية مثل الطبيب الذي فتح الجرح لكنه لم يعالجه.. أو مثل طبيب آخر اكتفى بأن يضع وصفة علاجية على الورق دون أن يوفر لنا مكان العلاج وطريقة استخدامه.
لم يخرج المنتدى الاقتصادي بتوصيات واضحة مثلما وعد المستشار المعرفي له قبل انطلاقته بأسبوع.. وتوقف الأمر في بعض الجلسات عند التنظير والكلام دون وضع حلول.. على عكس ما تم الإعلان عنه قبل الفعاليات بأن النسخة الثالثة عشرة ستكون أشبه بورشات العمل ولن تتضمن خطبا عصماء وكلاما مسترسلا.
لكننا ـ للأسف ـ وقعنا في الأخطاء نفسها.. ولم ننس أننا أمة خرجت لتتكلم.. وإذا تعبت من الكلام ستعود لتتكلم أيضا.. لكن ربما في النسخة المقبلة!