لو فكرنا في أي أزمة أو خصومة نتورط فيها على مستوى الأصحاب أو الأقارب سوف نجد أنه ما كان لبداياتها أن تؤدي إلى هذه الحدة والفجور في الخصومة. قد يكون من أسباب تفاقم الخلاف تجاهلنا لأمر بسيط فلم يتم تجاوزه، ولكن هناك سبب آخر وهو التعالي بالحق فيعتبر كل واحد منا أن خلافه معركة عسكرية لا بد أن يخرج منها منتصراً. وبالتالي يتمادى كل طرف في الخصومة إلى الدرجة التي تتداخل فيها عوامل جديدة تفاقم الأزمة وتوصد كل أبواب الحل. ونتيجة لذلك يستخدم كل طرف جميع الوسائل للانتصار وينسي جميعهم كلمة واحدة كانت كفيلة باستمرار العلاقة بدلاً من القطيعة.
الكل منا يعرف كلمة المسامحة ويعرف مفعولها السحري في منع حدوث الخصومة. ومن منا لا ينصح الآخرين بها! لكن عندما يتعلق الأمر بذاتنا، فإنها تصبح ثقيلة على اللسان فكأنما نتحدث عن شيء ما في صفحات الكتب ليس موجوداً في الواقع. فبسبب التعالي ننسى كل القيم التي تغلف كلمة سماح التي تعلمناها في المدارس وحفظناها من كثرة سماعها في أحاديث الوعظ.
صحيح أن هناك من يؤمن بقيمة الصفح والمسامحة لكنه يشعر أنها لا تؤدي إلى نتيجة، مما يؤدي إلى ترسيخ الانطباع السلبي بأنها غير عملية. يرجع سبب ذلك إلى أننا نخطئ عندما نقول لمن نختلف معه (سامحتك) ففي ذلك إقرار أننا لم نخطئ! ويعني ذلك أيضاً أننا نريد إلصاق الخطأ بالطرف الثاني. من أجل ذلك لا يتقبلها الطرف الثاني وبالتالي يسهم عدم اعتراف الجانبين بالخطأ في استمرار الخصومة. ومن أجل ذلك، إذا كنا نؤمن بالقيم الحاضنة لكلمات العفو والصفح الجميل والسماحة، فليس أمامي وأمامك إلا أن نقول لمن اختلفنا معه (سامحني) ففيها جوهر الصفح، وما أحلاها عندما نقول أنا وأنت له: سامحني.. الله يخليك.