يقول لنا الحكماء إن في السفر ألف فائدة، وإن الترحال بين الأقطار والبلدان يكشف لنا أوجها من هذا العالم كانت غائبة، وإن الاختلاط مع الأقوام المختلفة يخلق فينا القدرة على التأقلم مع الغريب والرغبة في التقارب معه والتعلم منه والتعرف عليه.
في مجتمعاتنا العربية، غالبا ما تجد أن أكثر المتحجرين فكريا والرافضين للآخر هم هؤلاء الذين قطنوا محيطهم الضيق رافضين الخروج عنه، ففيهم من يعد العيش في المدينة في حد ذاته نوعا من التمرد والخروج عن المبادئ الضيقة التي اعتقد أن العالم لا يستوعب غيرها.
عندما تخرج من محيطك المريح، إن كان ذلك قريتك أومدينتك البسيطة إلى العالم الأرحب في المدن التي لا تنام والعواصم التي حولت مجرى التاريخ البشري، ستكتشف كم أنت صغير لا تشكل بأفكارك المحدودة أي شيء في التاريخ الحديث، ولا قيمة لك بين الحضارات الحديثة، ليس لأنك أقل مكانة أوقدرة بشرية بل لأنك اعتقدت أن العالم كله هو ذلك المسار الذي حدده عقلك المحدود، ففي وقت كنت تكفر من خالفك الرأي وتدعو على من اختلف عنك في اللون والمعتقد بالهلاك وبئس المصير، كان هو يعمل على صناعة الطائرات واكتشاف النانو وإيجاد بدائل للطاقة ليستغني عن سيطرة الغير بمن فيهم أنت الكاره له والمتعالي عليه.
من المحزن أن نعرف أن دولة واحدة في أوروبا مثلا لديها إنتاج وطني يساوي ما تنتجه الدول العربية جميعها إذا ما استبعدنا النفط طبعا، كما أن لدينا إنتاجا من البغض للغير يساوي ما أنتجته النازية والفاشية مجتمعتين، كما أن حجم الحقد المتبادل بين أبناء البلد الواحد كما نشاهده في مصر اليوم لهو خير دليل على مستوى الفرقة والرهان على إضاعة الوقت في قضايا الحكم والسيطرة والأنا المتعالية لأنها لا تتطلب بعد النظر وبناء مستقبل الأوطان، كما هوالحال في الدول التي خططت وعملت وصنعت وأصبحت تحكم العالم.
في المملكة مثلا، يؤمل من برنامج الابتعاث أن يكون الطريق الذي من خلاله تبرمج أدمغة الأجيال القادمة بالشكل الذي يجعل العمل وقبول الآخر أساسين في تعامل أفراده مع المستقبل، فقد جربنا الكره والصوت دون عمل ولم نصل بذلك إلا إلى مجتمع كثير من أفراده يشتكي، دون أن يعمل ويكره دون أن يفكر ويعتقد أن دخول الجنة يأتي بالقتل فقط.