ما البديل بعدما فشل 'الفسطاطان' في التوصل لحد أدنى من التوافق يمكن من خلاله العبور بالبلاد من ذلك المنعطف الخطير؟ المعجزة قد تحدث لو تحلى الإخوان وقادتهم بقدر من الحكمة لاحتواء هذه المواجهة الدامية

بعدما رفضت جماعة الإخوان في مصر كافة الوساطات المحلية والعربية والدولية، والمبادرات التي أطلقتها شخصيات عامة، وكانت آخرها من شيخ الأزهر، دخلت المواجهة دائرة الحتمية، لكن وسط تسريبات ببدء عملية فضّ اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، ثم إنكارها رسمياً، يتبع ذلك الإنكار أنباء عن اقتراب ساعة الصفر، الأمر الذي وضع المجتمع المصري كله في حالة ترقب مشوب بالمرارة، ويحبس الملايين أنفاسهم حيال هذه المواجهة الدامية التي يأبى الإخوان إلا الدفع باتجاهها.
تحدثت مع مسؤولين أمنيين وعسكريين، وخلصت لنتيجة مؤداها أنهم يتحرون الحكمة وسياسة النفس الطويل لاستنزاف فائض العنف الذي لا تتوانى الجماعة عن تعبئة عناصرها به، بينما جهاز الأمن وخلفه القوات المسلحة المصرية يسعون لترشيد حجم الخسائر التي ستقع لا محالة حينما تبدأ المواجهات لأن الجانبين (السلطات والجماعة) وصلا لمرحلة اللاعودة، وهو ما يضع كافة الأطراف في مواجهة (الخيار صفر) ويزعم كلاهما الرغبة في حقن الدماء، لكن الواقع يؤكد أن الأفق السياسي أصبح مسدوداً، وأن جماعة الإخوان تعدها معركة وجودية، بينما يستبعد جهاز الأمن وظهيره العسكري أي مجال للفشل في هذه المواجهة.
ووسط لهجة التصعيد المتبادلة رصدت أجهزة الأمن خطة قادة الجماعة الذين يتحركون يرافقهم حراس مسلحون من عناصر مصرية وأخرى تنتمي لحركة حماس الفلسطينية، كما أشارت مصادر الأمن لذلك، ومن هنا فإن محاولة القبض عليهم تنفيذاً لأوامر النائب العام بضبطهم وإحضارهم لاتهامهم بجرائم شتى، ستسفر عن اقتتال ربما يُقتل فيه كل هؤلاء القادة، فالضباط المخولون بالقبض على هؤلاء مدربون على أرفع مستويات التعامل، وحرّاس قادة الإخوان أيضًا مدربون، ومن هنا فالتعامل المسلح سيسفر عن قتل قادة الإخوان وربما بعض الضبّاط والحرّاس الشخصيين.
من هنا تحدثت مصادر أمنية عن مخطط لتهريب قادة الجماعة بطريقة ما، لدخول سفارات أجنبية حيث يطلبون حق اللجوء السياسي باعتبار السفارات جزءاً من دولها وفق أحكام القانون الدولي، ويستحيل اقتحامها، لهذا وضعت أجهزة الأمن حزمة إجراءات احترازية: للحيلولة دون تهريب قادة الإخوان، ولم تشأ المصادر الإفصاح عنها لاعتبارات مفهومة بالطبع.
لكن هناك أيضاً رجال الصف الثاني في الجماعة، ولعل هؤلاء الأكثر أهمية ميدانياً، ويشكلون صيدًا ثمينًا لأجهزة الأمن، التي ستفض الاعتصامات وفق مراحل متصاعدة، وكما أسلفنا ستدعو وزارة الداخلية مراسلي صحف والفضائيات المحلية والعربية والدولية، فضلاً عن مراقبين حقوقيين مصريين ودوليين لتتم العملية بقدر من الشفافية يحول دون ادعاءات الجماعة المتوقعة ومبالغاتها التي تصل لحد يثير السخرية، وذهنية التنظيم السّري التي تحول دون التزامهم بالمكاشفة والعمل بالنور، وهو ما فشلوا فيه حتى حينما كانوا في السلطة.
السؤال الكبير الآن في مصر هو: ما البديل بعدما فشل الفسطاطان في التوصل لحد أدنى من التوافق يمكن من خلاله العبور بالبلاد من ذلك المنعطف الخطير؟
المعجزة قد تحدث لو تحلى الإخوان وقادتهم بقدر من الحكمة لاحتواء هذه المواجهة الدامية لكني شخصياً أشك بإمكانية ذلك، لأني على مدار عقود أدرك الأساليب التي تتبعها الجماعة، وطريقة تفكير قادتها القطبيين، وكيف ربوا أبناءهم وأنصارهم وفق سمت ماسوني تدير به القيادة دفة الأمور، ناهيك عن أنهم يرون هذه المواجهة أم المعارك، ولا بأس بمقتل بضعة آلاف ليضعوا الحكومة المؤقتة في مرمى الاستنكار الدولي.
والحاصل أنه منذ انهيار حكم الإخوان يُصّرون على سيناريو الأرض المحروقة، ففضلاً عن عمليات الاغتيالات والتفجيرات المتكررة، فإن لديها قائمة اغتيالات تضم عددًا من قادة الجيش والأمن والساسة والإعلاميين وغيرهم، وكاتب هذه السطور كان اسمه ضمن قائمة اغتيالات عثرت عليها أجهزة الأمن مؤخراً ونشرتها الصحف المصرية.
أخيراً يبقى القول بأن فضّ اعتصامات الإخوان سيحدث بشكل أو آخر، لكن توابع هذا الأمر، وما ستشهده البلاد في المرحلة المقبلة وضع غائم مفتوح على كافة الاحتمالات الممكنة، وسترسم معالمه الأطراف التي قبلت بقواعد اللعبة الجديدة، أما من يرفضونها سيضعون أنفسهم خارج المشهد السياسي المصري لاسيما لو سلكوا طريق العنف والاغتيالات.