عايض الميلبي
نعلم جميعا أن الأعمار بيد الله وحده، ولحكمة بالغة جعل سبحانه أمد حياة الإنسان في الدنيا من علم الغيب، ولو علم كل منا موعد موته ورحيله؛ لتغير نمط عيشنا وتعاملنا وكل شأن يخصنا. لكن دعونا نفرض جدلا أن أحدنا علم بموعد وفاته ورحيله إلى الدار الآخرة، فماذا هو فاعل فيما بقي من الأيام؟ سؤال قصير، محدود الكلمات بيد أن جوابه محير ومفزع؛ لأن لحظة النهاية تخيف ابن آدم كثيرا، كيف لا، وهي لحظة فاصلة بين عالم الدنيا وعالم جديد لا يعرف ما سيحدث له فيه. شيء من هذا القبيل يساور من يصاب بمرض ما ويذهب لأحد المستشفيات طلبا للعلاج؛ إذ إن مرحلة إجراء الفحوصات الطبية تجعل المريض يستعيد شريط حياته ويعيد النظر في كثير من قناعاته وأفعاله.
لو أن أحدنا أتاه آت ليخبره أنه بعد عام ستقبض روحه، وسيترك أهله وأحبابه وكل ما يملك من حطام الدنيا الزائلة، فلا ريب أن العقل سيتوقف برهة عاجزا عن تقبل مثل هذه المعلومة التي تجعل اللبيب يحار بأمره. وحتما أي شخص يمر بتجربة كهذه بلا شك سوف يعيد ترتيب أولوياته من جديد، وسوف تتغير علاقته بربه وأيضا علاقته مع الناس. سيهجر بعض أفعاله وممارساته، وسيصبح أكثر انضباطا وأكثر التزاما فيما يظن أنه يقربه إلى الله زلفى. يا له من شعور مؤلم حين يعلم الإنسان تاريخ نهايته، ويا لها من أيام عصيبة تحيل اللحظات إلى جحيم لا يطاق؛ ولهذا قضت الحكمة الإلهية إخفاء المدة الزمنية التي سيقضيها أحدنا ساعيا في مناكب الأرض.
عمر الإنسان يتأثر بعامل الزمن، وكل ساعة تمر تقربه إلى نقطة النهاية، ومن سيعيش عاما واحدا، لا يختلف كثيرا عمن سوف يعيش 70 عاما؛ حيث إن ثمة بداية ونهاية مرهونة بمدى زمني، ولا خلود لأحد إلا في الدار الآخرة. العجيب أنه رغم إدراكنا لهذه الحقيقة، إلا أن كثيرا منا تُسجل في صحيفته أفعال وأقوال تثير التساؤل والاستغراب.
وباعتقادي الخاص أن سبب ذلك يعود لعدم قدرة العقل البشري على تخيل وتقبل ساعة الصفر. لكن لو علم أنه في سنته الأخيرة كما افترضنا سلفا، هنا ستنقطع حبال الأمل والطموحات والأحلام وينصب الاهتمام في مجال مختلف، بينما تظل الآمال المستقبلية مسيطرة ومهيمنة على الخيال في حال بقاء فترة العمر مجهولة.