لماذا لا يتم الاتفاق، على اعتماد مرصد فلكي يكون مقره مكة المكرمة، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، يأخذ على عاتقه رصد القمر، وتحديد ظهور الأهلة من عدمها، وتأخذ به كل الدول العربية والإسلامية؟

يترقب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها كل عام، موعد دخول وخروج شهر رمضان المبارك، ليبدؤوا في تطبيق فريضة صيام الشهر، إكمالاً لإيمانهم برابع أركان الإسلام الخمسة، وليحتفلوا بعد ذلك بما أتموا من فريضة صيام الشهر بإقامة احتفالات عيد فطرهم المبارك. (1434) عاماً هجرياً مرت حتى الآن، ولا يزال المسلمون يحددون موعد دخول اليوم الأول وخروج اليوم الأخير من الشهر الفضيل، عن طريق رؤية الهلال بالعين المجردة، على الرغم من الثورة التي حدثت لعلم الفلك في جميع نواحيه النظرية الحسابية والتطبيقية التقنية، وتطور الآلات والمعدات المتعلقة بالمناظير والمراصد بشكل هائل، الأمر الذي قلل من هامش نسبة الخطأ على مستوى الرصد الدقيق للمواقيت القمرية والشمسية والظواهر الطبيعية، بل وامتد الأمر إلى التنبؤ بحدوث بعض الظواهر الكونية.
في كل عام يختلف المسلمون في تحديد موعدي ذلك دخول وخروج شهر رمضان، لتستغرب حين يخفق بلدان متجاوران، يقعان في نفس النقطة الجغرافية، في اختلاف تقرير بدء الصيام أو الاحتفال بعيد الفطر المباركين! ويصر عدد لا بأس به من علماء المسلمين، على اعتماد المشاهدة بالعين المجردة كطريقة وحيدة لإثبات الحدثين، باستنادهم إلى قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (189 سورة البقرة)، وما جاء في كتب الحديث من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، له ما يبرره في مسألة الأخذ بظاهر النص، وهو أمر يحظى باحترام وتقدير الجميع.
لكن قد يكون تكريس الأخذ بالأمر على هذا النحو في الماضي مبرراً جداً، لقلة الاتصال ونقل المعلومة، واتساع الدولة الإسلامية، فما يحدث في عاصمة الخلافة لا يصل سريعاً إلى النقطة الأخرى، واختلاف مفهوم الدولة لم يكن كما كان عليه في السابق، أما الآن فأعتقد أنه من الواجب الاجتهاد مجدداً، فيما يخص النصوص الدينية المعنية بهذه النقطة، فالعالم العربي والإسلامي ينبسط على مساحة كبيرة من جغرافيا الكرة الأرضية، مقسماً إلى مجموعة من الدويلات، تلتصق ببعضها البعض. وأظن أنني ضد قبول أن يختلف مسلمان، حول ثبوت بدأ الصيام أو انتهائه، وهما يقطنان في بلدين متجاورين، ولا يبعدان عن بعضهما سوى خمسة كيلومترات فقط على طرفي الحدود، ويلتزمان بما تقول به وتقره اجتهادات المراجع الدينية في كل من بلديهما، بينما يتفق آخران وهما على مسافة ألف كيلومتر عن بعضهما في نفس الدولة!
أزعم ـ والعلماء الشرعيون أعلم ـ أن هذه لزوميات ليست من الدين في شيء، طالما توافرت شروط التخلي عن حالات الاجتهاد فيها، فالشريعة لا تفرق بين متماثلين، ولم تأت بما يناقض العقل، ولا تقبل تشتيت المجتمع.
وأتساءل لماذا لا يتم الاتفاق، على اعتماد مرصد فلكي يكون مقره مكة المكرمة، كونها مهبط الوحي وقبلة المسلمين، يأخذ على عاتقه رصد القمر، وتحديد ظهور الأهلة من عدمها، وتأخذ به كل الدول العربية والإسلامية، لنتخلص من حالة اختلاف الرأي المستمر حول هذه النقطة؟ أتساءل أيضاً فيما لو كان توفر للرسول (صلى الله عليه وسلم)، ما يعين على رؤية الهلال، أكان سيرفض الأخذ به؟ الدلائل تقول بأنه (صلى الله عليه وسلم)، لم يرفض أي جديد من شأنه ربط المسلمين ببعضهم، ولا عقد عليهم أمراً، ولا شق عليهم حتى في الصلاة التي هي عماد الدين، فعن نفسه (صلى الله عليه وسلم) قال: إن الله بعثني معلماً ميسراً، ولم يبعثني معنتاً. ويتفق القرآن الكريم مع العلوم الفلكية تماماً، كما جاء في قوله تعالى: هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذ?لك إلا بالحق، يفصل الآيات لقوم يعلمون. (5 سورة يونس)، فالآية تتحدث هنا بوضوح على أن الأمر المتعلق بالقمر هو (علم عدد وحساب)، كما أن قول الرسول (عليه الصلاة والسلام): صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، حسب قول العلماء أوضح (الهدف، وعين الوسيلة)، المتمثلين في الصوم وحاسة البصر، لكنه لم يحجر الأمر على الاكتفاء بقدرات العين المجردة بذكرها، أو يحدد كافة جوانب الطريقة، وجاء الحديث توجيهاً ملزماً بشرط الرؤية، لكنه لم يحدد الكيفية التي تتم وتتحقق بها تلك الرؤية، وترك الباب مفتوحاً، وهذا يرجح القول بجواز الأخذ بالرؤية عبر المراصد والمناظير الفلكية، وليس في ذلك ذنب كما ليس في خطأ الرؤية بالعين المجردة إثم، هذه بعض الأفكار والتساؤلات أطرحها بين أيديكم للنقاش والحوار، لنخرج بما يمكن أن نطلق عليه إجماعاً شعبياً عربياً إسلامياً على هذه المسألة. أفترض أن مقالتي هذه ستنشر موافقة لليوم الأول من أيام عيد الفطر المبارك لهذا العام 1434، حسب ما تقول به المراصد والحسابات الفلكية، وأنتهز الفرصة لأهنئكم بحلوله، باسمي وباسم جميع منسوبي صحيفة الوطن، فكل عام وأنتم بخير.