سألت مدير البنك: لماذا لا تنشرون النظام الذي تبررون به كل التجاوزات؟ فصدمني بجوابه: الإدارات الحكومية لا تنشر أنظمتها، فمن باب أولى ألا ينشر القطاع الخاص أنظمته
السؤال الذي يلحّ على ذهني عند مراجعتي بعض الجهات في القطاع الخاص: لماذا لا ترغب تلك الجهات بنشر أنظمتها علناً؟
عشرات المرات التي اصطدمتُ فيها بعبارة هذا هو النظام أو هذه هي سياسة الشركة، وحين أطلب -كمواطن أولاً وكعميل ثانياً- الاطلاع على النظام الذي أزعم أني أتضرر منه أو أعتقد أنه يفيدني ربما؛ فإنني أفاجأ بأن من يردد هذه العبارة قد لُقن إياها، ولا يوجد لديه إجابة على الأسئلة المزدحمة في ذهني، ولا أعرف إن كان نفسه يعرف النظام الذي يتحدث عنه أم لا؟!
من الإجحاف أن يتم هضم حقوق العملاء في بعض جهات القطاع الخاص باسم نظام لا يُعرف عنه شيء، ولا يُعرف إن كان موجوداً على أرض الواقع أم لا، ولا يُعرف بالضبط لماذا يتم التعتيم على الأنظمة بكل هذه الدرجة من السرية! إن سياسات ومبادئ القطاع الخاص من هذه الناحية هي (تجهيل متعمّد) لأن أهمية الوعي بالأنظمة تنبع من الحقوق والواجبات، وكلما غاب الوعي بها انتشر الجهل بالحقوق والواجبات المرتبطة بها.
وأناقش هنا أنموذجين يتربعان على هرم القطاع الخاص وهما: (البنوك، وشركات الاتصالات). هذان الأنموذجان لديهما أنظمة وسياسات مغيبة لا يعرف العملاء عنها شيئاً، أو بالأحرى يعرفون ما يتم نشره من جزئيات محددة من أنظمتها هي أشبه بـمصيدة لجذب العميل وإيقاعه في الشرك، وذلك بأن يعرف العميل ما يراد له أن يعرفه، فحينما يذهب أحد ليفتح حساباً في مصرف أو يقوم بعملية مالية فإنه يجد كل الترحيب، ويتم حفظ حقوق المصرف بشكل قانوني صارم عبر العقود والاتفاقيات المبرمة، لكن العميل حين يصطدم بمشكلة معينة، فإنه لا يعرف حقوقه ويبقى مصيره بيد هذه الجهة التي تضع نظاماً يتفق ومصالحها ولا تعمل على نشره، وأسوق هنا عدة مشكلات حصلت مع كثيرين ومنها: خصم مبلغ من رصيد الحساب إما خطأ أو بسبب خلل فني في نظام الصراف الآلي، فهذا الأمر يحتاج إلى معاملة طويلة ولا يتم استرجاعها إلا في مدة تتراوح ما بين 24 ساعة و14 يوماً، على الرغم من أن كل العمليات المصرفية هي مدفوعة، وغير مجانية، ومع ذلك يصطدم العملاء بسياسات لا أصل لها ولا يعلم عنها شيئاً. الأمر نفسه يحدث في شركات الاتصالات، فهي تنشر ما يجذب العميل من خدمات، وتغيب عنه نظام حقوقه في حال كان الحق لعملائها عليها، ففي حال حدوث خطأ أو مشكلة تقنية، ولا سيما فيما يتعلق بفواتير الخدمات، لا يسترجع العميل حقوقه بسهولة إلا بعد مدة قد تصل إلى شهر وربما أكثر، مع أن الشركة تضمن حقوقها من خلال فصل الخدمة عن العميل فورياً وتعليق الخدمات. الأمر الذي أريد إيصاله هنا، بأن أنظمة المعاملات المتعلقة بالحقوق المادية والمعنوية مغيبة عن عمد. وللأسف الشديد أن الجهات الحكومية المخولة بحفظ حقوق العملاء -مثل مؤسسة النقد العربي السعودي، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات- لم تستطع مصافحة المجتمع من خلال التوعية الإعلامية بالإبلاغ عن الشركات التي لا تنشر أنظمتها.
إن النظام هو خارطة الطريق لأي منشأة، وشعور الإنسان بأنه محمي بهذا النظام لا ينبع إلا من تطبيق النظام ذاته، ولكن غاية الغرابة أن يطبق نظام على المواطن والمقيم دون نشره لكي يعرف الإنسان ما له وما عليه بشكل واضح، وخاصة أن التقنية الآن قد سهّلت سبل المعرفة وغالبية الجهات الحكومية في العالم تنشر أنظمتها، ومنها بطبيعة الحال أهم الوزارات والهيئات السعودية (ومن ذلك نظام مؤسسة النقد، ونظام هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات) وهذا أمر جيد بل متميز ومطلوب، ولكن-كما أشرت سابقاً- هنالك ضعف في التواصل بينها وبين المجتمع، وربما يعود ذلك إلى أن البيروقراطية ما زالت عميقة في بلادنا، حيث إن أغلب الجهات في القطاعين الحكومي والخاص لا تعتمد المعاملات الإلكترونية دون أصول ورقية يأخذها المواطن بنفسه إلى الجهة المختصة وكأنه لم يستفد من الخدمة الإلكترونية، ولا سيما في وقت انتهى فيه زمن الحكومة الإلكترونية وبدأ عصر الحكومة الذكية.
يفترض بالمواطن أن يعرف مهام ومسؤوليات هذه الوزارة أو تلك الهيئة، وبالتالي يفترض به أنه يعرف إلى من يلجأ في حالة تعطل مصالحه أو هضم حقوقه من قبل جهات القطاع الخاص، التي تصرُّ على التحايل على الأنظمة بعدم نشرها، وربما هي بذلك تستفيد -مع الأسف- من أمرين رئيسين: ضعف الرقابة الحكومية عليها من هذه الناحية، واقتدائها بكثير من المؤسسات الحكومية التي لا تنشر أنظمتها، وفي هذا الصدد قابلت مديراً لأحد البنوك الكبيرة بعد مشكلة تم بها تجاوز العقد المبرم، وعند طلبي حل المشكلة سألته: لماذا لا يتم نشر النظام الذي تبررون به كل التجاوزات؟ فصدمني بجوابه: الإدارات الحكومية لا تنشر أنظمتها، فمن باب أولى ألا ينشر القطاع الخاص أنظمته... وهنا أستطيع القول إن القطاع فعلاً بلا خرائط.