لم ينتظر الشارع المصري طويلا، لتندلع الثورة الثانية وانهارت 'الجماعة' سريعا لأنها لم تكن تمثل نظاما ولا مؤسسات، وإنما كانت تمثل جماعة وحفنة من الحالمين بالثأر والخلافة، الذين تعاملوا مع الدولة على أنها غنيمة المنتصر

كل ما يحدث بعد الثورات ينتمي غالبا إلى أسبابها وليس إلى أحلامها ونتائجها، هذه ليست قاعدة لكن ما يحدث اليوم في مصر وفي تونس يمكن أن يؤكد ذلك، لقد قامت الثورة على القوى التقليدية التي أنهكت الإنسان والأرض بفسادها وتحزبها واستبدادها دوريا بنتائج كل لعبة ديموقراطية عبر التزوير والمزيد من الاستبداد، لسنوات كان خطأ تلك الأنظمة أنها ظلت تحاول تمرير الاستبداد تحت غطاء ديموقراطي جمهوري، وهو ما لا يمكن أن يستمر حتى وإن نجح موقتاً.
كل ما حدث بعد ثورة الـ25 من يناير في مصر، ينتمي إلى مرحلة ما قبل الثورة فكرا وتنظيما ورؤية، لقد مثل الإخوان جبل الجليد الذي رأته الولايات المتحدة ورآه الشارع المصري والشارع العربي، فكان هو الأقرب للحكم، النموذج التنظيمي للجماعة كان ينتمي لمرحلة ما قبل الثورات، وكان يدار من خلال كوادر عتيقة هي أيضا لم تر في الثورة إلا وسيلة لتمكينها من الكرسي ومن الرئاسة لتبدأ هي بعد ذلك مشروع التمكين الكامل الرامي إلى الاستيلاء على كل الدولة، لكن عروق الثورة التي ما زالت تنبض في الميادين رفضت كل ذلك، دعك من الحديث المثالي والساذج أحيانا عن الشرعية الديموقراطية فلقد تمت إراقتها مع أول سطر تمت كتابته في الإعلان الدستوري، الذي مثل أبرز مظاهر الاستعداء من الجماعة للشعب ولكل القوى السياسية في مصر.
في عام واحد فقط، كانت الفكرة التي تراود الشارع المصري أن الجماعة لا تعدو كونها الوجه الآخر للحزب الوطني، والأسوأ أنها كانت تحاول إضفاء صبغة دينية على كل ما تقوم به، لقد مثل هذا العامل أبرز الدوافع التي هيجت الوجدان المصري المتدين، وجعله يعلن خصومة مطلقة مع الجماعة، المزايدة على الناس فيما يملكونه تدفعهم أكثر للمواجهة لأنهم يشعرون أنه يتم ظلمهم بنوع من الفوقية وادعاء الصواب والاتهام المستمر لهم في دينهم، هذه معادلة تتسبب في كثير من الشحن.
لقد تسبب الإخوان في تفشي خطاب ولغة جديدة وغير مألوفة في الشارع المصري، تقوم على الفرز والتقسيم وتفتيت المجتمع إلى صالحين أتقياء وضالين، وقد بالغ الإخوان في ترسيخ هذه اللغة كأداة للمواجهة مع مخالفيهم، خاصة بعد أن اتسعت دائرة المعارضة لهم في الشارع إلى الدرجة التي بات يصعب معها وصفهم جميعا بأنهم من الفلول.
لم ينتظر الشارع المصري طويلا، لتندلع الثورة الثانية وانهارت الجماعة سريعا لأنها لم تكن تمثل نظاما ولا مؤسسات وإنما كانت تمثل جماعة وحفنة من العجزة الحالمين بالثأر والخلافة، والذين تعاملوا مع الدولة على أنها غنيمة المنتصر. وأخذتهم العزة بالسلطة وبالتملك فاتجهوا للمغالبة وقلبوا الطاولة على مختلف القوى السياسية في مصر. ولذلك وفي عام واحد كسبت الجماعة من الأعداء أكثر مما كسبت من المحايدين ناهيك عن الأصدقاء، لم يكتمل العام إلا وهم واقفون في جهة ومصر كلها تكاد تكون في جهة أخرى.
دعك من تلك الآراء التي تجزم بالمؤامرة فالواقع يثبت خلاف ذلك تماما وكلنا شاهدنا كيف ارتبكت الولايات المتحدة أمام ما يحدث، وكيف أدت مواقفها إلى حالة من الغضب في مختلف أوساط الشارع المصري، المؤامرة التي يمكن الحديث عنها هنا هي مؤامرة الشعب المصري فيما بينه من جل حريته وثورته وقيمه ومن أجل الخلاص من الاستبداد.
تحتاج جماعة الإخوان إلى المزيد من الوقت لاستيعاب ما حدث، كان صرحا من خيال فهوى، ولا بد من استيعاب أنهم باتوا الآن خارج السلطة وخارج الحكم، ولديهم وسيلة واحدة للعودة إلى كل ذلك: إما رفض الدخول في العمل السياسي والاكتفاء بالجانب الاجتماعي وفي ظل الأنظمة، وإلا لا يمكن للجماعة بصورتها السابقة أن تحقق أي نجاح سياسي حتى لو حققت انتصارا انتخابيا آخر، لأن الوصول للكرسي لا يعني النجاح أبدا، وهو ما لم يفهمه الإخوان ليس قبل عزل رئيسهم بل وإلى الآن أيضا.