هل تحيا الصورة وتموت لتحل بديلا عن اللغة والتفكير؟ (لو أن الإنسان لم يكن يغلق عينيه غاية الإغلاق فإنه كان سينتهي إلى عدم رؤية ما يستحق النظر)

هل تحيا الصورة وتموت لتحل بديلا عن اللغة والتفكير؟ (لو أن الإنسان لم يكن يغلق عينيه غاية الإغلاق فإنه كان سينتهي إلى عدم رؤية ما يستحق النظر)، بهذه المقولة لروني شار من أوراق هيبنوس يصل المفكر الفرنسي ريجيس دوبري إلى طرح اثني عشرة أطروحة وسؤالا أخيرا في خاتمة كتابه (حياة الصورة وموتها) الذي يقارب فيه، محللا واقع العصر الراهن، الدور الخطير جدا للصورة. دوبري الذي يرأس دفاتر الوسائطية الرائدة في مجال تحليل الوسائط وآلياتها الثقافية، وسبق له أن اشتغل مستشارا لفرنسوا ميتران في الثمانينيات، بعد أن عاش شبابه في تجربة الكفاح في بوليفيا مع تشي جيفارا، ينطلق من أفكار أن عصر الشاشة حين يغدو مسيطرا أينما كنا ستكون فضيلته الفساد، ومنطلقه الامتثالية، وأفقه عدمية مكتملة. لذا فإن غريزة البقاء لدى الجنس البشري، مثلها مثل الرغبة البسيطة في تقصي اللذة لدى الفرد أو الأمم، سوف تضطر إن عاجلا أو آجلا إلى الحد من الامتيازات التي تحظى بها الصورة. ولكي يتم إيقاف الاختناق واليأس، سوف يتم إيلاء الأهمية للفضاءات الباطنية اللامرئية وذلك عبر الشعر والمخاطرة والقراءة والكتابة والافتراض أو الحلم.
عبر ثلاثة أبواب موزعة على فصول يسعى دوبري لتفتيت عوالم الصورة باستقراء عميق لظاهرها مركزا على انقلابات تحدثها الصورة، الشاشة تحديدا لتسيير إيقاع الحياة وتجليات الواقع، والمهم عنده أن تكون الصورة جيدة، طارحا (إن صورة ما تكون أكثر قابلية للتصديق من وجه معين، وشريط فيديو جيد أكثر من خطاب بليغ، فلكل واحد رأيه في الأذواق والألوان والمناهج والأفكار). ثم يؤكد أننا أمام منضدة المشاهدة نصمت، فمشاهدة صورة ما هو تفسير لها. وفي اللغة عوضت كلمة البصر كلمة التفكير والفهم.
ويجيء تأكيده هذا من فكرة أنه بالأمس كان يقال: (إنه الحقيقة فقد قرأته في الصحف) أما اليوم فيقال: (صدقت الأمر لأني شاهدته في التلفزيون). ليصل إلى أنه لم يعد أحد الآن يعارض بين الخطاب والصورة. فالمرئي لا يمكن تفنيده بالحجج وإنما يتم تعويضه بمرئي آخر.
وفي محاولة للتفسير للدفاع عن اللامرئي رأى دوبري أن الصور على عكس الكلمات، في متناول الجميع، بجميع اللغات وبدون حاجة إلى تعليم. فالبرمجة المعلوماتية توحد طبقات برج بابل بكاملها من بكين إلى نيويورك، مرورا برأس الرجاء الصالح. لكن بمجرد ما تطفأ الشاشة يتبقى الوصول إلى البصائر التي تنظم كل عالم مرئي. وهذا المدخل لا تفتحه سوى اللغة والترجمات الرمزية. والحال أن التداول الشائع دوليا والتكريس عنه ليس فالا حسنا للتواصل العالمي للعقول.