الإخوان كانوا مستبدين مع القوى الوطنية. وقد خاصموا الجميع: القضاء، والأزهر، والكنيسة، والإعلام، والثقافة، والفن، وفرقوا بين أبناء المجتمع الواحد بمعيار الدين والمذهب والحزب
بات واضحا لجماهير الشعب المصري بأن خيط الإرهاب الأسود يتمركز الآن بين قيادات رابعة العدوية، هؤلاء القادة لا يفهمون ولا يجيدون قراءة الأحداث، فكلامهم عن عودة الشرعية يكشف مدى جهلهم السياسي والاجتماعي، ذلك أن أكثر من 30 مليون فرد بحسب «جوجل إيرث» قد خرجوا وأسقطوا الشرعية عن الرئيس، جاؤوا ليقولوا لرئيسهم المنتخب: نزعنا شرعيتك فارحل، لكنه أبى وتمسك بأنه صاحب الشرعية، فعن أية شرعية يتحدثون؟
نعم، كانت الصدمة بالغة الشدة على الإخوان في كل مكان، هذه الانتكاسة الكبيرة لها إرهاصاتها وتداعياتها على كافة حركات الإسلام السياسي، لذا وجب على الإسلاميين الاستفادة من التجربة الإخوانية في مصر، ومن ذلك:
1- ضعف المصداقية: الحزب المنتسب للدين، مطالب أكثر من غيره، فالجماهير التي تعطي صوتها لقيادات سياسية دينية، تتوقع منها أن تكون قدوات أخلاقية عليا أكثر من كونها مجرد قيادات سياسية، بمعنى أن الجماهير تريد منها أن تكون صادقة في قراراتها ولا تعد الناس وعوداً ولا تحققها، الإخوان خلال عام واحد، قدموا العشرات من الوعود ثم خالفوها ولم يحققوها، صرحوا بقبولهم للآخر وإيمانهم بالديموقراطية، وتراجعوا على الفور من بلوغهم السلطة، تظاهروا باحترامهم أحكام القضاء ثم تدخلوا تدخلا سافرا في القضاء.
2- سياسة الأخونة: ظن الإخوان أن الشرعية الممنوحة لهم عبر الصندوق الانتخابي، هي ما سيكفل لهم الحق المطلق في التفرد بالقرار والزحف على كافة مؤسسات الدولة، عبر سياسة التمكين السريع، فعزلوا أربعة آلاف قاض، وفرضوا بطريقة غير شرعية وزيرا غير مرغوب به في وزارة الثقافة.
3- الإقصاء والبراجماتية: أثبتت جماعة الإخوان، أنهم براجماتيون في الخارج وإقصائيون في الداخل؛ فبعدما كانوا السادة في مناهضة الغرب الكافر أصبحوا خلال عام يتوددون إليه ويحرصون على صداقته، وباتوا يتحدثون عن احترام المعاهدات الدولية، وقد كانوا في الماضي يُطالبون بإلغاء معاهدة كامب ديفيد! هم بالأمس كانوا يطالبون بمقاطعة البضائع الأميركية وطرد السفير الأميركي بعد الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة، وفي عهدهم يقودون الحملات الإعلامية لتحسين صورة أميركا وتبرئتها من مسؤولية الفيلم المسيء! وتجدهم يسعون إلى الاقتراب من صندوق النقد الدولي بكل فوائده، بعدما كانوا يرونه رباً محرماً! كانوا في الماضي يهاجمون النظام السابق ويتهمونه بالتبعية، وفي حكمهم يتحدثون عن رعاية المصالح الوطنية مع الغرب!
وفي المقابل، تجدهم مستبدين بقوة في الداخل مع القوى الوطنية. وقد خاصموا الجميع: القضاء، والأزهر، والكنيسة، والإعلام، والثقافة، والفن، وفرقوا بين أبناء المجتمع الواحد بمعيار الدين والمذهب والحزب، فكرهوا الشعب في سياساتهم، فاتحد الجميع ضدهم حتى حليفهم حزب النور السلفي انقلب عليهم.
وتشتد الغرابة بعد 30 يونيو أنهم لا يزالون يستنجدون بالغرب (الكافر)، ويتباكون أمام قنواته ويطلبون تدخله من أجل العودة بهم إلى السلطة.
4- تغيير الهوية: المصريون قوم يعشقون الحياة ويطربون لأغاني عبدالحليم والست أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش، ويأنسون للنكتة مثلما يحبون تدخين الشيشة في المقاهي ويتذوقون الفن والأدب؛ مثل هذا الشعب الحيوي المقبل على الفن، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتقبل المزاج الإخواني المتشدد، لا رفضاً للدين ولكن رفضاً للاستبداد باسم الدين وتوظيفه، من قبل أقلية أيديولوجية لها ولاء ديني عابر للقارات، ولا أكاد أنسى العبارة التي ذكرها المرشد السابق للإخوان بقوله: (طز في مصر واللي في مصر).
أخيرا أقول: الجماعات الإسلامية مطالبة بعد هذه النكسة بإعادة ترتيب أوراقها السياسية ليستفيدوا من الفكر التنويري المصاحب لبعض الأحزاب المسيحية الديموقراطية التي تحكم عددا من الدول الأوروبية والتي تمارس دورها كقوة مدنية.