لا يمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة في عالمنا المعاصر، ولا يمكن إجراء أي إصلاحات اقتصادية ما لم يكن المناخ السياسي مناسبا لذلك. ويقول تقرير للكاتب والمحلل السياسي مروان المعشر نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام مؤخراً، إنه لا يمكن معالجة البطالة وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتعزيز النمو الاقتصادي ما لم يستفد القادة من دروس الماضي القريب، التي تتمثل في خمس قواعد للنجاح:
القاعدة الأولى: ضرورة توازي الإصلاحات الاقتصادية مع الإصلاحات السياسية، فالحلول الاقتصادية البحتة لا تكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية. عندما تعرَّض الأردن في عام 1988 لأزمة اقتصادية حادة أسفرت عن خفض قيمة عملته أمام الدولار الأميركي بواقع 50% خلال يوم وليلة تقريبا، وجد الملك الراحل الحسين بن طلال نفسه في مواجهة عجز حكومي كبير واحتياطات أجنبية هزيلة. وكان الحل الذي توصل إليه حلا سياسيا إلى حد كبير؛ فقد دعا إلى إجراء انتخابات شاملة منحت البلاد أول برلمان نيابي منذ أكثر من ثلاثة عقود. واستطاع البرلمان الجديد، رغم وجود معارضة شديدة من التيار الإسلامي، إقرار برنامج اقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي والعديد من الجهود الرامية إلى تحرير الاقتصاد، مما تمخض عن ارتفاع معدلات النمو في أوائل التسعينات. وقد ألحقت حرب الخليج الأولى ضررا بالغا بالبلاد حين توقفت كل المعونات العربية والأميركية بعد معارضة الأردن دخول قوات أجنبية إلى المنطقة، ولكن الشوارع لم تشهد أي احتجاجات في ذلك الوقت، حيث كان المواطنون يشعرون بأن أصواتهم مسموعة من خلال البرلمان وأنهم طرف أصيل من ذوي المصلحة.
القاعدة الثانية: تقضي بأن تكون سياسات النمو أكثر شمولا، يجب ألا يكون الانتفاع بالنمو مقصورا على نخبة صغيرة وألا تركز الإصلاحات الاقتصادية على حل مشكلات بعض شرائح المجتمع دون غيرها. فالأمر يتطلب منهجا جديدا للتنمية الاقتصادية في المنطقة، نظرا إلى مطالبة الشعوب بتحقيق تحسن فوري – من حيث خلق فرص العمل وتحسين الأجور وإقامة العدالة الاجتماعية – بعد الثورات التي حدثت في مصر وليبيا وتونس وغيرها من البلدان. كما يجب أن تشتمل الإصلاحات المستقبلية على مكون اجتماعي قوي يسمح للأقل حظا بتحسين أحواله المعيشية، كما يجب أن يستهدف الدعم مستحقيه وأن تضع الحكومات استثمارات كبيرة في تحسين خدمات الصحة والتعليم للغالبية العظمى من المواطنين. القاعدة الثالثة: تقول بضرورة إعداد خطط الإصلاح الاقتصادي بمشاركة مجتمعية، المشروعات الإصلاحية الآتية من أعلى إلى أسفل تمكنت في بعض الأحيان من إحداث تغييرات اقتصادية كبيرة وتحقيق نمو اقتصادي جيد، مثلما حدث في تونس ومصر. ولكنها لم تغير الطابع السلطوي الذي تتسم به النظم الحاكمة، كما أنها افتقرت إلى استراتيجيات واضحة لتحقيق نمو أكثر شمولا، ومن ثم ذهب معظم ثمارها الاقتصادية إلى النخبة من رجال الأعمال المحيطين بالنظام. ولم يفت ذلك على الجماهير العريضة، ما تسبب في مشاعر العداء والريبة العميقة تجاه تلك السياسات في معظم بلدان المنطقة. وثمة مشروعات أخرى جاءت نتيجة اضطرابات اجتماعية وتضمنت إصلاحات سياسية محدودة. ويتضح من مشروعات الإصلاح التي تتولى وضعها وتنفيذها القيادة نفسها التي تحتاج إلى إصلاح، أن الأمر يتطلب برامج تحقق التمثيل والتمكين الكافيين لكل القوى الأسياسية في المجتمع. فالإصلاح الذي لا يأخذ في الاعتبار وجهة نظر الأطراف المتأثرة به لن ينجح في أن يكون أو يعتبر إصلاحا جوهريا أو موثوقا. ويتضح ذلك من الرفض الشعبي الذي لقيه القادة العسكريون في مصر بمجرد أن حاولوا إملاء قواعد اللعبة السياسية بعد سقوط حسني مبارك.
القاعدة الرابعة: أن تكون خطط الإصلاح الاقتصادي قابلة للقياس وتشير إلى هدف نهائي، غالباً ما كانت عملية الإصلاح في الماضي زاخرة بالوعود وقاصرة في التنفيذ. ومن خلال مجموعة واضحة من أهداف الأداء الشفافة والقابلة للقياس، يمكن التأكد من قيام الحكومات بالإصلاح فعليا وأنها لن تلجأ إلى استخدام كلمات رنانة جوفاء. وينبغي أيضا أن تتضمن خطط الإصلاح الاقتصادي توضيحا للأهداف، مثل التوصل إلى موازنة متوازنة خلال عشر سنوات أو تغطية جميع المواطنين بنظام التأمين الصحي الوطني. فالمواطن يكون أكثر استعدادا لتقبل التضحيات قصيرة الأجل إذا كان الهدف منها واضحا بالنسبة إليه. ويشعر معظم المواطنين في الشرق الأوسط بأن حكوماتهم لا تعمل إلا في سياق الأزمة؛ فهي تطلب من المواطنين أداء مدفوعات طائلة لتغطية التجاوزات الإدارية من دون مقابل في الأفق.
القاعدة الخامسة: تدعو إلى أن يكون التواصل أداة أساسية من أدوات السياسة، إن الأخذ بأسباب التواصل الفاعلة يجب ألا يكون مجرد فكرة متأخرة في عملية الإصلاح، بل يجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من عملية التخطيط، بما في ذلك سياسات الإصلاح الاقتصادي العربية.