القرآن الكريم فرّق بين 'الأم' و'الوالدة'، فأطلق لفظة 'الوالدة' على المرأة التي تنجب الطفل، بغض النظر عن صفاتها الحسنة أو القبيحة، لأنها مجرد وعاء إنجاب، أما 'الأم' فهي رمز التضحية والطهر والنقاء والحنان

خبر الموسم كما أطلق عليه، هو ولادة كيت ميدلتون ولي العهد الجديد لعرش المملكة المتحدة، وكعادة شعبنا الكريم ـ الذي اكتشفت عيارته مؤخراً ـ أخذ خبر ولادتها وظهورها الإعلامي بعد الولادة بفترة أقل بكثير من فترة ظهور بناتنا على أزواجهن، مما منحنا فرصة الهزل، وكعادتنا في النظر إلى الأمور، لم نتحدث إلا عن الجانب المظاهري فقط، رغم أنه ـ قبل فترة قصيرة ـ نال قرار كيت اختيار والدتها لتصبح مربية الملك القادم وعدم الاستعانة بمربيات العائلة المالكة البريطانية، اهتماماً إعلاميا وشعبياً كبيراً، لمخالفته ما هو متعارف عليه، ولم يرق الخبر للملكة الجدة كثيراً.
وكي لا نأخذ الخبر على أنه برتوكول ملكي كُسر من قبل كيت، لننظر الفرق بين كلمة (أم) وكلمة (والدة)؛ فالأم هي الأصل الطيب والمقدس، والقرآن الكريم يطلق كلمة أم على كل شيء عظيم، مثل (أم القرى) (مكة المكرمة) مهبط الرسالات السماوية، التي اختصها الله - عزّ وجلّ - برسالة الإسلام الذي كان غاية الرسل والرسالات جميعاً، فقال تعالى: {مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها} [الأنعام:92]، وقال: {وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومَن حولها} [الشورى:7]. كما أطلق سبحانه على خزائن علمه (أم الكتاب)، فقال تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد:39].
فالقرآن الكريم فرّق بين الأم والوالدة، فأطلق الله سبحانه (الوالدة) على المرأة التي تنجب الطفل، بغض النظر عن مواصفاتها وصفاتها الحسنة أو القبيحة، لأنها مجرد وعاء إنجاب يتشابه فيه الإنسان والحيوان حين يلتقي الذكر بالأنثى وما يترتب على ذلك من حمل وإرضاع، لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة} [البقرة:233].
أطلق الله ـ عزّ وجل ـ على الأصل الكريم رمز التضحية والفداء والطهر والنقاء، والحب والحنان (أم) التي يتشرف الولد بها ويفخر، إذ جاء الفرق أيضاً، على لسان النبي عيسى - عليه السلام -، حين تكلّم عن وصف (الوالدة)، فقال: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً [مريم:32]. وحينما وصف القرآن الكريم عيسى ووالدته، أطلق عليها لفظ الأم، قال سبحانه: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمّه صديقة...} [المائدة:75].
أراد ـ سبحانه ـ أن يلفت نظر الأبناء إلى معاناة الأم من جراء الولادة. القرآن الكريم يطلق كلمة الأم المضحية الصابرة المكرمة يوم القيامة، والتي أمرنا الله بإكرامها في الدنيا إكراماً مطلقاً لا حدود له، فمن إعجاز القرآن الكريم وبلاغته في هذا المجال، أنه يوصينا ببرّ الوالدين ثم يعقبها بالحديث عن الأم فقط لشدة فضلها على الأب: {ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن} [لقمان:14].
هكذا فضل - الله عز وجل - الأم لشدة معاناتها وهناً على وهن في الحمل، وما يستلزمه من تضحيات، هي أهم من الولادة ، قال تعالى: {ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً..} [الأحقاف 15]
وأيضا، عندما عبر القرآن الكريم عن مدى فرح وسعادة الوالدة بعودة ولدها الغائب من خطر عليه أطلق عليها كلمة الأم فقال - عز وجل -: {فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها ولا تحزن} [طه:40]، ودلالة على القدسية والاحترام الشديد أطلق الله على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمة الأمهات وليس الوالدات فقال: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب:6].
كم أتمنى لكل فتاة في وطني ألا تكون (والدة) بل (أماًّ)، ولنتذكر قول شاعر النيل حافظ إبراهيم
من لي بتربية النساء فإنها
في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها
 أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهّده الحيا
 بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألي
شغلت مآثرهم مدى الآفاق.