المسلسلات التاريخية تجذب الجماهير، لأن الإنسان العربي ماضوي بطبعه، كثير المفاخرة بتاريخه، شديد الاعتداد به، حتى لو لم يقرأ هذا التاريخ أو أنه لا يملك الوقت الكافي لقراءة تراث أمته الضخم بعصوره وأعلامه، برجاله ودوله، بأحداثه ونوازله. وهناك سبب آخر يجذب المشاهد العربي لهذه الدراما التاريخية، وهي أنها تحيي في داخله ما يفتقده الآن.. انتصارات سياسية، وفتوحات عسكرية - كما يود البعض تسميتها - ونهضة حضارية في مختلف العلوم والفنون... غير أن البعض يعشق هذه المسلسلات لأسباب ثقافية خاصة، لأنها تعزز الأنساق المضمرة في داخله.. تعزز أمراض الفحولة، والنفاق، والتسلط، والهياط، أو ربما تعزز إيديولوجيا يؤمن بها.
رأينا ما كان في الزير سالم من هياط، وتراجيديا تضحك أكثر مما تبكي، لم يكن ممدوح عدوان رحمه الله مهايطا، ولا حاتم علي أيضا، غير أنها طبيعة الدراما الفنية عندما تؤسطر القصة، لتأتي على هوى المشاهد العربي -الخليجي خاصة- فيتمنى لو أصبح زيرا جديدا أوعاد به الزمن إلى ديار بني تغلب. ورأينا بعده مسلسل الحجاج، وإن كان مختلفا عما حوته تلك السيرة المشؤومة، من ظلم وبغي وجبروت، وكيف أن مؤلف المسلسل ومخرجه حاولا بشتى الطرق إبراز شيء من محاسن هذه الشخصية، أو دورها البارز في العهد الأموي البائد، وليت شعري أين الحُسن في شخص الحجاج؟ أما دوره التاريخي فلا أحد يستطيع إنكار وجوده حتى الآن.
في العامين الماضيين تغير محتوى هذه الدراما، وانتقل إلى رموز تاريخية أهم، فكان مسلسل الحسن والحسين ثم عمر، غير أن ما عاب هذين العملين عدم استقلاليتهما فنيا فيما يتعلق بالمحتوى، وذلك لأسباب مذهبية. الدراما التاريخية ضرورة ثقافية، وأقترح أن تعاد سيرة عمر بن عبدالعزيز في عمل درامي حقيقي يقترب من الواقع التاريخي لتلك الفترة، يتناول ظروف نشأته وتوليه الحكم وعلاقته بمن قبله من الأمراء. وأتمنى من المخرج ألا يكرر ذات المشهد للخليفة في مسلسل سابق وهو يلبس ساعة رولكس!