برمجة العقول لها جذور عميقة في التاريخ، ولحماية أنفسنا من آثارها السلبية نحتاج إلى التثقيف الذاتي المتواصل بالفكر التنويري وإخضاع كل ما نقرؤه إلى النقد والتمحيص.

برمجة العقول لها جذور عميقة في التاريخ، ولحماية أنفسنا من آثارها السلبية نحتاج إلى التثقيف الذاتي المتواصل بالفكر التنويري وإخضاع كل ما نقرؤه إلى النقد والتمحيص. ربما لديك انطباع بأن نشر الوهم والخرافة واستعباد العقل البشري قد انتهيا بانتهاء الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين.. ليس الأمر كذلك أبداً، فالخرافة بدأت تتطور من شكل إلى آخر أكثر فعالية وتأثيراً. إنها تأتي خلسة، متلبسة برداء العلم، ولهذا فالفكر البشري مر خلال تطوره عبر التاريخ بثلاث مراحل هي: المرحلة العقلانية، بدأت بثورة الفلاسفة الإغريق واعتمدوا فيها على العقل والمنطق والنقد ونبذ الخرافات، والأساطير. المرحلة العلمية وهي التي نعيشها اليوم، والتي تعتمد على التجربة والفحص والأدلة المادية، لذا نرى الخرافات متفشية في جميع المجتمعات البشرية وحتى المتقدمة منها، وما الاختلاف إلا بالدرجة والنوعية، فهي منتشرة على نطاق واسع في المجتمعات المتخلفة في العالم الثالث، وإن أية مرحلة لاحقة في سلم التطور الفكري لا تزيل آثار المراحل السابقة كليا من الثقافات والعقول، لذلك، فحتى ونحن نعيش في المرحلة العلمية نرى آثار المراحل السابقة الخرافية وما بعدها ما زالت عالقة بأذهان نسبة كبيرة من الناس وتمت برمجتهم ذهنيا عليها، لذا نرى الخرافات متفشية في جميع المجتمعات البشرية وحتى المتقدمة منها.
من أكثر المواضيع تعقيدا ورفضا هو فكرة تعرض الإنسان فعليا لسيطرة برمجة عقله من خلال الثقافة الموروثة منذ ولادته وتشربه بما يمليه عليه الأهل والمدرسة والمجتمع من أفكار وتقاليد وأعراف ومذاهب، فكما يتعلم الطفل لغة الأم، يتلقى معها الثقافة الموروثة بكل ما فيها من محاسن ومساوئ. وعندما يبلغ هذا الإنسان سن الرشد تكون هذه الأفكار والمعتقدات، بما فيها من خرافات، قد ترسخت في تلافيف دماغه، فيعتقد أنها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش، ومن يخالفه فيها فهو على ضلال مبين. وهذا هو سبب الصراع الدائر بين المجتمعات وصدام الحضارات والثقافات، ورفض ثقافة الاختلاف، وبروز الفئات المتطرفة الرافضة للآخر المختلف، وخاصة في المجتمعات العربية – الإسلامية. وقلة من الناس الذين يخرجون على المألوف ويغيِّرون قناعاتهم، فهؤلاء هم الذين يقودون مجتمعاتهم نحو التجدد والتغيير ونحو الأفضل.. مع كل هذا يظل الإنسان هنا معرضا للوهم والغش والخديعة من قبل مروجي الوهم والبرمجة. نحن نعيش في عصر صار التحكم بالعقل هو السائد والمهيمن، وحتى لا نخدع أنفسنا، بمعنى ألا نقع ضحية الذين يعملون على نشر البرمجة وتوظيفها؛ علينا مواجهة قوى الظلام التي وظفت كل هذا في خدمتها لنشر التضليل بدلاً من التنوير.