الوزارة ليست 'أنا'.. والعمل 'المؤسسي' لا يغيره تعاقب الوزراء
منذ 4 سنوات وشهر واحد، ووزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة، تتقاذفه المشكلات، تجاوز عددا منها، فيما يسعى جاهدا لتجاوز البعض الآخر. ومنذ تولى زمام الأمور فيها خلفا لسلفه الدكتور حمد المانع، طرح مشرطه الجراحي جانبا، وركز على دراسة الوضع الراهن لـالصحة على نحو مستفيض.
وعلى الرغم من العمل الكبير الذي شهدته وزارة الصحة خلال سنواتها الماضية، إلا أن مشاكل الناس لا تزل تلاحقها في كل مكان، وباتت الوزارة ومسؤولوها، وجبة للانتقادات. أزمة الأسرة، مطالبات خريجي الدبلومات الصحية، التأمين الصحي، تعثر المشروعات، شح الأراضي، والأخطاء الطبية، وغيرها، كلها موضوعات لاحقت الوزير عبر الإعلام وفي المجالس وفي كل مكان.
كل ذلك، دفع بالمسؤولين عن صحيفة الوطن برئاسة رئيس التحرير طلال آل الشيخ، للتفكير بعقد لقاء موسع مع وزير الصحة في ندوة تستضيفها الصحيفة، لقاء يكون عنوانه المكاشفة، وهموم الناس محوره الأساس. ولم تجد تلك الدعوة إلا كل ترحيب من الدكتور عبدالله الربيعة، الذي حل ضيفا عليها، هو وعدد من قيادات الوزارة في ندوة عقدت مساء أول من أمس، واستمرت لأكثر من ساعتين، وكانت الشفافية سيدة الموقف، فـالوطن سألت بجرأة والوزارة أجابت بأريحية.
الوطن أعطت في بداية الندوة، الكلمة للربيعة، لقول ما يريد، وفي مدة لم تتجاوز ربع ساعة، تحدث الربيعة عن أبرز ما قام به خلال السنوات الأربع الماضية منذ بدايتها.
وقال في البداية أود أشكركم على هذه الدعوة، ووزارة الصحة تؤمن بأن الإعلام شريك استراتيجي لها، وهو العين النابضة التي تساعد الوزارة على قراءة ما يدور في الشارع، والوزارة متابعة لوسائل الإعلام، سواء كان بنقدها بآرائها بمعلوماتها، ونؤمن إيمانا كاملا بمبدأ الشفافية.
وأضاف في الواقع، أنا شرفت وكلفت بقيادة الوزارة منذ أربع سنوات وأول ما بدأنا كان لدينا هم كبير أن نقرأ دراسة الوضع الراهن في الوزارة آنذاك، ودراسة ما يطرح في الإعلام، سواء ما هو تاريخ الوزارة وهموم المواطن، وكانت دراسة مستفيضة، وكانت أمامنا هموم كبيرة بأننا بين تحديات الحلول العاجلة، والحلول المتوسطة والحلول طويلة المدى ووضع استراتيجية لا تتأثر بالمتغيرات، إذ يجب أن تكون منظمة ومهنية وواقعية وألا يكون مكانها الرف، وفي نفس الوقت نستنير بما وضع من استراتيجيات سابقة، من زملاء وزراء أجلاء نكن لهم كل التقدير.
استراتيجية العشر سنوات
وتابع الوزير بالقول سأبدأ أولاً بكيفية وضعنا للاستراتيجية، فقد أخذنا الاستراتيجية الصحية التي وضعت من قبل مجلس الخدمات الصحية، وبنينا عليها مفهوم استراتيجية عشر سنوات المقبلة لوزارة الصحة، وهذه الاستراتيجية تم إعدادها من قبل أبناء وبنات الوزارة، فلم نذهب لشركة متخصصة لتعدها لنا ومن ثم وضعها على الرف، بنيت الاستراتيجية من ليالي مضنية حتى أن الفريق يعمل في يومي الخميس والجمعة، وحتى ساعات متأخرة، وفعلا وضعنا تصور بمفهوم الاستراتيجية وهو المشروع الوطني للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة، وهذا المشروع كان قاعدة أساسية للاستراتيجية، لأنه التوجه الحديث العالمي، أي نظام صحي ناضج في العالم يتكلم في البداية عن أنها تكون الرعاية الشاملة وتكون متكاملة بعضها يكمل بعض، وإلا لن تكون هنالك رعاية صحية.
وأضاف لدينا تصور دعينا من أجله رؤساء القطاعات الصحية في المملكة لأنهم شركاء استراتيجيون، وبعض الزملاء من وسائل الإعلام، وأعضاء من مجلس الشورى، وأخذنا آراء كثيرة، وعقدنا جلسات مطولة، والجميع أيد المفهوم ببعض المقترحات والتعديلات، ومن ثم أخذنا آراء دولية من خبراء من جامعات عالمية، وطرحناها عليهم وأيدوها مع بعض التعديلات، ومن ثم كما تعلمون الوزارة أنشأت مجلسا استشاريا دوليا ممثلا من 12 خبيرا عالميا، من أكبر الخبراء العالميين في الاستراتيجيات، ومن المنظمة الصحية وطرحناها عليهم وأيدوها، ومن ثم قدمناها على الملك وكان فيها جرأة أننا نبين عيوبنا في الإعلام، فطرحت وبدأنا وبنينا عليها استراتيجية لعشر سنوات، طبعا الحلول العاجلة، التي تواكب ما يطالب به المواطن وما يطرحه الإعلام، فكان الهم الأول أن نبني برامج نستفيد فيها مما لدينا، لا بد من الاستفادة القصوى مما تملكه الوزارة، فنظرنا إلى موضوع الأسرة، إذ لم يكن يدور الدوران الصحيح، السرير يمكن تدويره ثلاث مرات في الشهر ممكن أربع ممكن ست، ووجدنا أننا غير راضين عن تدوير السرير في الوزارة، فتم تحسين تدويره، بحيث استفدنا 20% في تدوير السرير، الأمر الذي يغني عن بناء 100 مستشفى، إذ وجدنا نسبة إجراء عمليات جراحة اليوم الواحد في الوزارة كان قبل أربع سنوات 3% وهو مفهوم كبير في العالم، في حين أن دولا عدة حول العالم وصلت إلى 70% و80%، إذ يدخل المريض في الصباح ويخرج بعد الظهر، والآن وصلنا إلى 33% في تدوير السرير وهذا إنجاز.
الطب المنزلي
أما البرنامج الثاني الذي تحدث عنه الوزير فيتعلق ببرنامج الطب المنزلي، وقال لقد وجدنا كثيرا من مرضى الحالات المزمنة موجودين في المستشفيات، ويكلف وجودهم في المستشفى كثيرا، فقلنا أحسن مكان للمريض في بيته، بدأنا مفهوم الطب المنزلي، والطب المنزلي، حتى وزارة المالية عجبها المشروع لأنه اقتصادي جدا، والمسألة تتمثل في تدريب أشخاص مهنيين وأكثرهم من التمريض، وبعض التخصصات مثل العلاج الطبيعي والتغذية، وبدأنا نطبق البرنامج، الرقم المعلن في الماضي 22، ووصلنا 25 ألف مريض مستفيد من الطب المنزلي.
بدل التأمين
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن برنامج الطب المنزلي لم يعط حلا كاملا لوزارة الصحة، التي لجأت فيما بعد لما أسمته شراء الخدمات.
وقال الربيعة في هذا الصدد برنامج الطب المنزلي لم يعط حلا كاملا، إذ لجأنا لشراء الخدمة من القطاع الخاص، لكونه يعد شريكا استراتيجيا، واشترينا أول سنة حدود 300 مليون، والسنة الماضية وصلنا إلى 718 مليون اشتريت خدمات العناية المركزة والطوارئ من القطاع الخاص لأننا نؤمن بأن المواطن لا بد أن تحل مشاكله، سواء في مستشفياتنا أو مستشفيات القطاع الخاص.
ودلل على ذلك بالقول إن المواطن إذا لم يجد سريرا في حالة طارئة في مستشفيات الوزارة، فإن الخدمة تشترى له من القطاع الخاص، وقال إن المطلوب في هذا الاتجاه أكثر من الرقم الذي صرفناه العام الماضي.
الحلول المتوسطة
ركزت وزارة الصحة، في حلولها المتوسطة للقضاء على المشكلات التي تعرض المواطنين في تلقي الخدمة الطبية، على تحسين أداء الأسرة في المستشفيات، طبقا للربيعة، الذي قال إنهم وجدوا أن بعض الأسرة في المستشفيات لا يتم شغلها بالكامل.
المواطنون ليسوا راضين عنا
ولم يتحرج وزير الصحة من القول إن هناك فجوة كبيرة بين المواطن والوزارة، وقال هناك مواطنون ليسوا راضين عن الوزارة، وهو ما دفعنا لتحسين العمل.
وأضاف بالقول أول إدارة أنشئت لتخفيف هذه الفجوة هي علاقات وحقوق المرضى، هذه الإدارة بدأت من لا شيء، بدأها أحد الزملاء وحده، والآن لدى الإدارة 1100 موظف، موجودون في كل مستشفيات الصحة، إذ إنهم حلقة الوصل بين مقدم الخدمة وبين المسؤول، ووجدنا انخفاضا في عدد الشكاوى.
الرقابة على الأداء
الرقابة من الداخل، كان الشعار الذي رفعه الربيعة في عمل وزارته، وتحدث مطولا عما قامت بها الوزارة من عمليات تطوير في أدائها المالي والإداري. وأضاف في هذا الصدد نحن نؤمن أن خير رقيب على أدائنا هو نحن، فأنشأنا إدارة المراجعة الداخلية المربوطة برأس الهرم في الوزارة، والإدارة بدأت من لا شيء، الآن لديهم 270 موظفا هم يعملون إدارة رقابية داخلية على كل الشؤون المالية والإدارية بالوزارة، دون أي تقيد، ولهم حق التحقيق والاطلاع والمراجعة والتواصل مع الجهات الرقابية مباشرة، وبموازاة ذلك هناك رقابة على العمل السريري، إذ إن هناك إدارة تعنى بمراجعة سريرية تراجع كل الأداء وتحاسب بصرف النظر عن الشكاوى، والموظف هو كنز للوزارة، فأنشأنا إدارة تحميه وحقوق الموظفين.
برامج تطويرية
حرص الدكتور عبدالله الربيعة، وفقا لما قال في الندوة، أن تكون وزارة الصحة مبنية على أساس مؤسسي، لا يتأثر برحيله أو بقائه. وقال طبعاً الوزارة دار عليها برامج تطويرية كبيرة جداً، أولاً نؤمن أن الوزارة لا تبنى على مسؤول واحد، أو مسؤولين أو ثلاثة، نحن مؤمنون ببناء النظام المؤسسي، والوزارة تسعد بأنها من أوائل الوزارات التي بادرت بالنظام المؤسسي، ويوجد مجلس تنفيذي للوزارة وهو الذي يسن الأنظمة والسياسات والإجراءات.
وأضاف هذا المجلس يوجد به أكثر من 25 عضوا من المناطق ومن الوزارة لاتخاذ القرارات، والنظام الإداري في الوزارة، الوزارة نظامها الوزاري قديم ولم يجدد من عقود، فدعينا زملاء من جامعة الملك سعود ومن معهد الإدارة راجعوا أنظمتنا ووضعوا تصورا للنظام الإداري وكيفية تحسينه ليكون مرنا، وأتينا بشركة كبيرة ومتخصصة في تطوير الإدارة، ولها 3 سنوات، ومن أسبوعين أجازوا النظام، ووضعوا وصفا وظيفيا ونظاما تطويريا للإدارة والإدارة المالية واللوجستية للوزارة.
وقال الوزير في سياق حديثه أول من أمس أقر في المجلس التنفيذي برنامج يحمل اسم تيسير، وهذا البرنامج سيطبق أولا بالنظام التقني الحالي، وطرحت منافسة للنظام الإلكتروني للشؤون المالية والإدارية واللوجستية والمشتريات في الوزارة، وخلال السنتين المقبلتين أكثر عملنا سيصبح عملا إلكترونيا.
الوطن تسأله: لوحت بالاستقالة قبل 12 عاما.. فهل تفعلها؟
في تاريخ 9 ربيع الآخر، من العام 1422، أجرت الوطن لقاء موسعا مع وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة، أيام كان جراحا في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني، وكان العنوان حينها: لو كنت وزيرا للصحة لاتخذت هذه الخطوات الأربع ثم أستقيل!
رئيس التحرير طلال آل الشيخ، افتتح الندوة التي عقدت مساء أول من أمس، بهذه المقابلة، والتي تعود لأيام تأسيس الوطن الأولى، وأجراها الزميل نائب رئيس التحرير عبدالعزيز الشمري في بداياته الصحفية، وقال له بعد أن سرد له المواضيع الأربعة: معالي الوزير.. ماذا تحقق من الخطوات الأربع، والتي تتلخص في إيجاد مجلس أعلى للقطاعات الصحية، والاستفادة من قدراتها، ودراسة الاحتياج الفعلي للمناطق؛ لأن هناك مناطق مستشفياتها لا تفي بالحاجة، وهناك مناطق توجد فيها مستشفيات غير مشغلة تشغيلا فعليا، والتركيز على دعم برامج التأهيل الصحي، وخصخصة القطاعات الصحية في ظل عدم وجود تأمين، إذ يصبح لها دخل مالي يرفع من مستواها.
الوزير يرد: حققت 3 خطوات.. وبقيت واحدة
بعد أن كان الربيعة منهمكا بتسجيل تلك الخطوات الأربعة التي قال إنه سيفعلها بعد توليه وزارة الصحة، أعاد ظهره إلى الوراء، وبدأ بالرد على ما اتخذه تجاه كل فكرة.
وقال: بالنسبة لإنشاء مجلس أعلى للصحة، قمت بالرفع بهذا الموضوع مرتين، وقد سبقني في ذلك الدكتور حمد المانع، إذ إن هناك 3 خطابات رفعت من وزارة الصحة لإيجاد مجلس أعلى، والآن هناك لجنة تدرس ذلك في هيئة الخبراء، وهذا توجه كل القيادات الصحية؛ لأن الصحة في الدول هي أحد الأمور الأولى أن يوجد لديها مجالس عليا، ونسعى في ذلك. مجلس الخدمات الصحية موجود، وله دور كبير جدا، ولكن نريد مجلسا أعلى حتى تكون قراراته سيادية.
أما الخطوة الثانية المتعلقة باحتياج المناطق، فقال هذا مشروع وطني، وتم تنفيذه بكل عدالة، والمشروع الوطني وضع فيه معايير دقيقة، معايير لعدد المستشفيات والكثافة السكانية التي تتطلب بناء مدينة طبية، والكثافة السكانية التي تتطلب بناء مستشفى عام، ومتطلبات مراكز الرعاية الصحية، وغيرها من التفاصيل المهنية الدقيقة التي روجعت بشكل احترافي من قبل خبراء محليين ودوليين. وطبق هذا المشروع.
أما خطوة التأهيل الصحي، فقد تم تطبيقه في كل المدن الطبية التي بها مراكز تأهيل. وأضاف بالنسبة للقطاعات الصحية الخاصة، فالتأمين الصحي هو بمفهومه تعاوني، والوزارة حريصة على التأمين التعاوني أكثر من التجاري؛ لأن التجاري قد يضر المواطن، ونحن أكثر الوزارات شراء للخدمة من القطاع الخاص والعام. وضعنا منافسة الغسيل الكلوي مع القطاع الخاص، وهناك شراء ضخم من القطاع الخاص، ويقابله تشديد على الجودة.