هناك قلق في بعض الدوائر الرسمية من أن تقديم المساعدة للصادرات غير البترولية قد يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، ولكن لا داعي للقلق، لأن الكثير من وسائل الدعم لا يتعارض مع تلك القواعد، ويستخدمها معظم أعضاء المنظمة
سجلت الصادرات غير البترولية في المملكة العربية السعودية ارتفاعاً مستمراً خلال العقد الماضي، ولكن المصدرين يشتكون من عدم توفر الدعم الكافي للصادرات غير البترولية، مقارنة بالصادرات البترولية وبالواردات، لتمكينهم من المنافسة بقوة في الأسواق العالمية، ويتفق في ذلك خبراء الاقتصاد الذين يرون أن تنفيذ خطط المملكة لتنويع الإنتاج الصناعي وزيادة مصادر الدخل يتطلب تشجيع الصادرات غير البترولية.
في عام 2012 بلغت صادرات المملكة غير البترولية (51) مليار دولار، أي نحو خمسة أضعاف مستواها في عام 2003 ، وهو مستوى تاريخي لم يسبق تسجيله. ومع أن تلك الصادرات نمت خلال السنوات العشر الماضية بمعدلات صحية تتجاوز (20) بالمئة سنوياً في أغلب السنوات، إلا أنها تتعرض لكثير من التقلبات والصعوبات التي تهدد ذلك النمو. فعلى سبيل المثال، لم يتجاوز معدل نمو الصادرات غير البترولية العام الماضي (8) بالمئة، وفي عام 2009، انكمشت قيمة تلك الصادرات بنسبة (11) بالمئة، بسبب الأزمة المالية العالمية.
وما زالت المواد الكيماوية والبلاستيكية تشكل نحو ثلثي قيمة الصادرات غير البترولية في المملكة العربية السعودية. ويتمتع منتجو تلك المواد بمزايا تنافسية جيدة، بسبب قربهم من مصادر الطاقة وحداثة مصانعهم والتقنيات التي يستخدمونها، ولذلك فإنهم قادرون على المنافسة في الأسواق العالمية حين تتاح لهم الفرصة، مما دفع المنتجين التقليديين لتلك المواد في الدول الصناعية، خاصة في أوروبا، إلى طلب حماية حكوماتهم من منافسة المصدرين السعوديين والخليجيين.
وتهدف طلبات الحماية التي نسمعها في أوروبا وغيرها إلى الحفاظ على حصص المنتجين التقليديين في السوق، على الرغم من تهالك مصانعهم وقدمها وعدم كفاءة إنتاجها مقارنة بالمنتج السعودي أو الخليجي، كما تهدف إلى الحفاظ على أسعار مرتفعة لمنتجاتهم، على حساب المستهلك الأوروبي. وقد باءت تُهَم الإغراق التي وُجهت في السابق للمنتجين السعوديين والخليجيين بالفشل وتم سحبها من قبل الجهات الرقابية، ولكنها في الغالب ستتكرر مستقبلاً في أوروبا وغيرها.
والحقيقة أنه لكي تقلّل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى من اعتمادها على إنتاج وتصدير البترول الخام والغاز، فإنها تحتاج إلى تشجيع صادراتها غير البترولية بشكل أكبر وبجميع الوسائل الممكنة، المتوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
وكما أشرتُ آنفاً، فإن معظم صادراتنا غير البترولية هي منتجات كيماوية تعتمد على البترول بشكل أساسي كمادة خام، وهي منتجات تنافسية تستطيع بيع نفسها بنفسها بسبب المزايا النسبية التي تتميز بها، ولكن الصادرات الأخرى تحتاج إلى مساعدة أكبرَ لتمكينها من المنافسة في الأسواق العالمية.
وفي سعيها لتعزيز وتوحيد الجهود المبذولة لتشجيع الصادرات غير البترولية قررت المملكة في عام 2007 (1428 ) إنشاء هيئة تنمية الصادرات السعودية، ولكن الهيئة ما زالت قيد الإنشاء منذئذِ، وما زالت جهود تشجيع تلك الصادرات موزعة على عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية.
ويطالب المصدّرون بإلحاح بسرعة إنشاء الهيئة، ويشتكون من محدودية ما يتلقونه من دعم وتشجيع لتمكينهم من مواجهة المنافسة الحادة في الأسواق العالمية وزيادة حجم صادراتهم ونفاذها إلى تلك الأسواق. وهناك قلق في بعض الدوائر الرسمية من أن تقديم المساعدة للصادرات غير البترولية قد يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، ولكن لا داعي لذلك القلق، لأن ثمة الكثير من وسائل الدعم والتشجيع التي لا تتعارض مع تلك القواعد، والتي يستخدمها معظم أعضاء المنظمة، بما في ذلك الدول الصناعية الكبرى. ومن وسائل الدعم للمصدرين، التي لا تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية ما يلي:
أولاً: تمويل أو إعداد الدراسات والأبحاث المجانية، وتشمل دراسات الجدوى والتسويق والأبحاث الاقتصادية والهندسية بأنواعها.
ثانياً: تمويل برامج التدريب والتأهيل والتعليم للقوى العاملة الوطنية التي يحتاجها المصدرون.
ثالثاً: تنظيم المؤتمرات والمعارض التجارية والصناعية.
رابعاً: تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة، وتُسمّى أحياناً مناطق تشجيع الصادرات، وهي مناطق تخفّ فيها وطأة البيروقراطية والرسوم والضرائب.
خامساً: برامج اعتمادات الصادرات، بما يسمح بتمويل الصادرات وإتاحة الفرصة للموزعين والمستوردين في الدول الأخرى لتأخير دفع المستحقات لفترة زمنية إلى أن يستوفوا قيمة الصادرات التي يقومون بتوزيعها.
سادساً: برامج للضمانات والتأمين تغطي المخاطر التجارية والسياسية، أي المخاطر الناجمة عن الإجراءات الحكومية في الدول المستوردة، مثل الحجز والتأميم والمصادرة وقيود تحويل الأموال. كما تغطي الأخطار المتعلقة بالحروب والاضطرابات السياسية، والكوارث الطبيعية، ذلك أن المخاطر التي تواجه الصادرات تفوق بمراحل المخاطر التي تواجه التسويق المحلي، وتتطلب في كثير من الأحيان دعماً رسمياً سياسياً ومالياً.
سابعاً: تأسيس مكاتب تجارية في السفارات في الدول المستهدفة بالتصدير، لتوفير الدعم المناسب للمصدرين الذين يواجهون قوانين وتنظيمات مختلفة في تلك الدول، وبيئة تجارية قد لا تكون مواتية أو مرحبة بالأجانب.
ثامناً: يعتبر إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين من أهم وسائل تشجيع الصادرات، حيث تساعد في فتح الأسواق الأجنبية للصادرات السعودية، وتوفير الدعم القانوني لها. ولكن المملكة، كسائر دول مجلس التعاون، لم توقع الكثير من تلك الاتفاقيات، وبدونها فإن الملجأ القانوني الرئيس هو آليات فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية، وهي آليات بطيئة ومكلفة وقد لا توفر الحلول السريعة التي يحتاجها المصدّرون الذين يواجهون تحديات أو إجراءات معادية في الدول المستوردة.
تاسعاً: توفير الدفاع عن المصدرين الذين يواجهون دعاوى مفاجئة قد ترفعها ضدهم الجهات الرقابية في الدول المستوردة، أو الشركات المنافسة. وقد واجه المصدرون السعوديون والخليجيون دعاوى تتهمهم بالإغراق والممارسات الضارة وغير العادلة، وهي في مجملها دعاوى كيدية وغير مبررة، ولكنها تؤدي إلى الحدّ من قدرتهم على التصدير والمنافسة، وتتطلب دعماً رسمياً ودفاعاً قانونياً مُكلفاً، خاصة أنها عادة ما يتم البتّ فيها من خلال الآليات التي توفرها الدول المستوردة وأجهزتها الرقابية والقضائية.
وفي المجمل، وكما تقوم الدول الصناعية العريقة بتوفير الدعم المالي والإداري والفني والسياسي لمصدريها، وتعتبر ذلك أساساً هاماً في تعاملاتها الرسمية مع الدول الأخرى، فإن المصدرين لدينا بحاجة إلى مثل ذلك الدعم لتمكينهم من تعزيز تنافسيتهم والنفاذ بقوة إلى الأسواق العالمية.