كان الأصلح لمصر، ولكل الدول العربية، وحتى الغرب ألا يتقدم الإخوان بمرشح رئاسي. لكن للأسف، انقلبوا وطمعوا بعد أن رأوا شعبيتهم في انتخابات البرلمان المصري

أجزم بأن معظم مجالس النخب السعودية، منقسمة حيال ما يجري في مصر، بين مؤيدين لما قام به العسكر من تصحيح لمسار الثورة بما يدّعون، وبين مظلومية الرئيس الشرعي محمد مرسي، بتنحيته عن الرئاسة التي فاز بها بالانتخاب.
الإشكال أن كلا الطرفين يتشنج وينفعل وقتما يطرح الموضوع للنقاش، وتضيع الأصوات الأخرى التي تخرج عن الرؤيتين، في خضم هذا الترادح. ومبدأ (بوش) الشهير: إما أن تكون معي، أو أنت ضدي يسربل هاته الحوارات البتراء، لذلك يجفل كثير ممن لهم رؤية مغايرة في هذا الخضم الهائج أن يبديها؛ خوفا من التصنيف الجارح، وبرأيي أن هذا موقف جبان ومتخاذل للمثقف، إذ يجب الجأر بالرأي، وإن أغضب بعض أحبتك.
ما قاله نائب رئيس حزب (الدعوة السلفية) ياسر برهامي في مقالته المدوية قبل أيام التي عنونها بـ(عتاب هادئ للإخوة المخالفين في الداخل والخارج) مهم؛ لأنه يشرح لنا سبب انحياز سلفيي مصر -على الأقل أكبر فصيل فيهم- إلى جبهة العسكر، وأعادنا الرجل لبدايات ما اتفق عليه الإسلاميون المصريون بفصيليهم الإخواني والسلفي، حيث قال برهامي: أول هذه المواقف التي أذكِّر نفسي وإخواني بها: ما كنا اتفقنا فيه مع (الإخوان) في أول الثورة، أن المرحلة لا تحتمل أن يتقدم الإسلاميون بمرشح لهم من الرئاسة؛ لأن احتمالات السقوط أكبر، للانهيار الذي تركت فيه البلاد والتجريف للكفاءات الذي تم في العهد البائد، وأتذكر أن أحد الأساتذة الأفاضل من جماعة (الإخوان) هو محمد حسين، قال لي: لن نرشح رئيسًا لمدة دورتين على الأقل -وقت أن كانت الدورة 6 سنوات أي 12 سنة- ولن نرشح رئيسًا للحكومة لمدة دورة على الأقل -5 سنوات- ومعلوم أن مقتضى ذلك أن يكون الرئيس الذي نختاره إما ليبراليًّا أو من المدرسة القومية، فهل كان هذا الرأي خيانة للأمة؟! ألم تظل جماعة (الإخوان) على موقفها حتى قررت بأغلبية ضئيلة 56: 53 تقديم مرشح للرئاسة، مع أننا أرسلنا لهم عدة رسائل بالنصيحة بعدم تقديم مرشح، وهو الموقف الذي التزمت به الدعوة طيلة هذه المرحلة، وما زالت!.
كان هذا الرأي هو الأصلح للإسلاميين، ولمصر، ولكل الدول العربية، وحتى الغرب. لكن للأسف، انقلب (الإخوان)، وطمعوا بعد أن رأوا شعبيتهم في انتخابات البرلمان المصري، وكان أحد الفضلاء من الدعاة السعوديين، يرد عليّ عندما خطّأتهم في هذه النقطة المحورية، بأن: جماعة (الإخوان) رأت ما لم يره من يقول برأيك يا أخ عبدالعزيز، إضافة إلى أن المرشح الأقوى كان أحمد شفيق. فأجبته: لو كان حقا ما تقول، لم تكن النسبة التي فاز بها مؤيدو دخول انتخابات الرئاسة بهذا الفارق الضئيل، فضلا على أن ثمة مرشحين مناسبين، كعمرو موسي، وهو الذي له مواقف معتدلة من كل التيارات، ومواقف قومية قوية تجاه إسرائيل، بل ثمة إسلامي مقبول من معظم الأحزاب المصرية، وهو عبدالمنعم أبو الفتوح، ولو وقف (الإخوان) بثقلهم خلفه لفاز، ولكنهم للأسف غلّبوا الروح الحزبية، ووقعوا في ذلك الخطأ القاتل.
وأكملت لصديقي الداعية: بل حتى عندما حكم (الإخوان)، قاموا بتقديم رجالاتهم، وتجاوزوا بقية الأحزاب المصرية، وأتذكر شكوى السلفيين من عنادهم واستئثارهم بالمناصب، في خطوة تنمّ عن قلة إدراك سياسي بأساليب الحكم.
بعيدا عن لغط الشرعية، وأحقية مرسي بالرئاسة، والتي يتترس بها مؤيدو (الإخوان)، فأمامنا واقع موجود، وتأزيم مقلق في (رابعة العدوية)، ستظل نهايته غير معروفة، وقد نشرت صحيفة (الوطن) الرائدة، تقريرا قبل يوم أمس السبت، عن سيناريوهات ومفترق الطرق أمام إخوان مصر، وربما السيناريو الكارثة الذي يتخوّف منه أمثالي عندما يكتبون؛ استمرار هذه التظاهرات، وتحوّلها بشكل تدريجي من سلميتها للعنف وحمل السلاح، عبر استفزاز العسكر، فيجد العالم نفسه أمام سورية أخرى في مصر.
كثير من المراقبين يستبعدون هذا السيناريو، بيد أنني مصرّ على واقعيته، إن لم يتدخل حكماء وعقلاء مصر و(الإخوان)، ويتوصلوا لاتفاق مع العسكر، بالخروج بأقل الأضرار – هذا المكسب المتاح أمام الجماعة في ظل السيناريوهات الأخرى- والعودة للمعارضة من جديد، وكلنا رأينا كيف كانت المعارضة السورية في بداياتها، تصيح: سلمية..سلمية، ومع البطش التي نالها، تحوّلت للسلاح، فلا يضمن أحد أبدا عدم تحوّل هؤلاء المتظاهرين السلميين للسلاح، في ظل وجود استخبارات دول مدسوسة، لا تريد الخير لمصر.
ثمة سيناريو، أراه معقولا، مال إليه المحامي المنشق عن (الإخوان) مختار نوح، الذي قال في تقرير (الوطن) بأن: عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية تتوقف على عودتها إلى مبادئ عمر التلمساني، المرشد الراحل، التي تهتم بالدعوة قبل السياسة، وتبتعد عن محاولات التمكين والسيطرة، وأنه لا بد من تغيير الفكر وقيادات الصف الأول مثل المرشد الحالي محمد بديع، والمهندس خيرت الشاطر، ويجب على الإخوان الانفصال التام عن (الجماعة الإسلامية)، ونبذ العنف لأن الشعب يكره العنف والداعين له مهما كانت الأسباب.
سأكرّر للأحبة الذين عارضوني بشدة في مقالاتي عن مصر، بأننا أمام واقع يا سادة، ومن الضروري الترفّع عن الحزبيات الضيقة، أمام مصلحة مصر، بل الأمة جميعا، فما يحدث في مصر كارثة علينا جميعا، والمطلوب من (الإخوان) لملمة التبعات، والخروج بأقل الخسائر، لانعدام خبرتهم في حكم دولة كبيرة كمصر.
الاستجابة لدعوات الصلح، كي تمضي مصر، وتعبر هذه الأزمة، هي الخيار الأحكم والأسلم للجميع..ليتهم ينتصحون قبل فوات الأوان.