لا أرى وجها قويا لما يردده كثير من العلماء - جزاهم الله خيرا - من أن الجواز في وقت الأداء لزكاة الفطر لا يمتد بأي حال من الأحوال لأكثر من يومين قبل عيد الفطر

ليس سرا أن أقول إن هناك اتفاقيات سرية بدأت أو ستبدأ قريبا لتحويل كل أو بعض ما يقدمه الناس من طهرة وجبر لما قد حدث في صيامهم لهذا الشهر المبارك من لغو ورفث وخدش وخلل -أعني بذلك زكاة الفطر: صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط أو صاعا من غالب قوت أهل البلد- إلى مشروع مرابحة؛ وذلك بواسطة سوق سوداء تديرها في الخفاء مجموعات وأفراد تقف أمام المحلات التجارية التي تعرض الأصوُع ـ جمع صاع ـ المتكدسة لتأخذها من أناس ثم تبيعها لآخرين بأسعار زهيدة.. هذا التفريط وهذا الخلل يمكن حلهما من خلال أمرين اثنين؛ الأول تسليم الزكوات للجمعيات والمؤسسات الخيرية الحكومية منها أو الأهلية، والثاني التوسع في وقت جواز أداء هذه الفريضة المهمة من قبل عيد الفطر بيوم أو يومين، كما كان يفعل الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ إلى أن يكون (شهر رمضان كله) وقت أداء لهذا الفرض.
المسائل المتعلقة بزكاة الفطر كثيرة ومتعددة؛ كحكم تأخيرها عن وقتها، وديانة من تدفع إليه الزكاة، والشروط اللازمة على من تجب عليه، وحكم التوكيل والنيابة في الأداء، وإخراج القيمة، ومكان الأداء، وغير ذلك من مسائل ليس بسطها كلها في هذا المقال بمتاح؛ ولذا سأخصص هنا ما أريد تناوله في مسألة محددة، هي وقت ويوم أداء زكاة الفطر ـ تقبلها الله من الجميع ـ.. الفقهاء مختلفون ـ واختلافهم رحمة ـ في (وقت) وجوب أداء زكاة الفطر، فبعضهم حدد وقت الأداء بطلوع فجر يوم عيد الفطر المبارك، وقبل القيام بصلاة العيد بالتحديد، وبعضهم ذكر أن البدء يمكن أن يكون من غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان. ومع أنهم اتفقوا على جواز تعجيل زكاة الفطر على (يوم) وجوبها، اختلفوا مرة أخرى في مدة التقديم، فبعضهم يجيز تقديمها على يوم عيد الفطر، ودليلهم في ذلك فعل الصحابة المتقدم الإشارة إليه، ولأن القاعدة تقول: ما قارب الشيء يعطى حكمه، وبعضهم قال بجواز تعجيلها في النصف الأخير من شهر رمضان، وبعضهم أجاز تعجيلها في جميع شهر رمضان، اعتمادا على أن سببي الزكاة هما الصوم والفطر، فإذا وجد أحد السببين جاز التعجيل، وفي الحديث النبوي الشريف: فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وبعضهم أجاز تقديمها قبل شهر رمضان ولعدة سنين، وهذا القول الأخير بعيد جدا لمخالفته لقواعد العبادات الموقتة.
الحقيقة لا أرى وجها قويا لما يردده كثير من العلماء ـ جزاهم الله خيرا ـ من أن الجواز في وقت الأداء لزكاة الفطر لا يمتد بأي حال من الأحوال لأكثر من يومين قبل عيد الفطر؛ إذ إنه لا يوجد أي نص شرعي يمكن الاعتماد عليه في منع تقديم زكاة الفطر لأكثر من ذلك، بل إن الذي يراعي المصلحة، ويجعل الزكاة تصل إلى مستحقيها بالفعل، ويمنع تكدس الأقوات في الطرقات، ويوقف السوق السوداء المتقدم ذكرها هو الرأي الذي يربط فريضة زكاة الفطر بفريضة الصيام، وليس بالفطر، وهو ما يعني إمكانية أدائها من هذا اليوم الذي نحن فيه، بل ومن أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك.