السفارة كمؤسسة حكومية من ألزم واجباتها تسخير كل إمكاناتها لتوجيه ودعم ومساندة أبناء وطنها. ومطالبة الجهات الحكومية في بلد الإقامة أو السياحة بتلبية احتياجات رعاياها قدر الإمكان بما يضمن سلامة وكرامة مواطنيها
أرجو منكم أن تستعملوا مع شعبكم ـ الذي أنتم منه ـ الرقة وفتح باب السفارة لا إغلاقه، فإن السفارات ما وجدت إلا للشعب السعودي وخدمته، إن أي فرد يأتيكم مهما كان اعرفوا أنه من الشعب السعودي، وأنا؛ أي فرد من الشعب السعودي هو ابني وأخي، لا تقولوا هذا ما له قيمة، إياي وإياكم، قدروهم واحترموهم لتحترمنا الشعوب، أحملكم مسؤولية عظيمة هي خدمة دينكم ووطنكم، لأنكم إن شاء الله رسل الخير لبلدان العالم...
ما سبق مقاطع من خطاب تاريخي لوالدنا خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ ألقاه على مئة وأحد عشر سفيرا ورئيس بعثة في الخارج في قصره بالرياض قبل أشهر قليلة.
والخطاب ركز على مسؤولية السفراء المتجلية في تقدير الأمانة، وحسن أداء المهام، والحذر من التقصير، والتركيز على الجانب الإنساني تقديرا واحتراما لحق وكرامة كل مواطن، على أساس متين من مبدأي العدالة والمساواة.
ولنقارن الآن بين توجيهات والدنا، وما أفاده المواطن السعودي المسِنّ إبراهيم شلويح الحربي لجريدة الوطن يوم السبت 7 أغسطس 2010 من تعرضه وأسرته المكونة من 9 نساء لسطو مسلح في منتجع الزبداني بسوريا، واصفا الحادثة المرعبة؛ بهجوم خمسة مسلحين يرتدون زيا عسكريا، طلبوا منه النزول من السيارة، زاعمين أن بلاغا أمنيا صدر بحقه، بينما الأمر في حقيقته ما هو إلا سطو مسلح بدأ بتفتيش السيارة وانتهى بسرقة ما بحوزة الأسرة من أموال ومقتنيات ثمينة ومبلغ مالي يقدر بـ40 ألف ريال.
وكان المسلحون يحملون أسلحة أوتوماتيكية، وقد ضربوه أمام أسرته، وسرقوا سيارته، ثم تركوه وعائلته في منطقة نائية، ما اضطرهم للمشي مسافة 5 كم للوصول إلى أقرب قرية، ومن ثم التوجه للشرطة لتقديم بلاغ بالحادث، وبعدها توجه وأسرته للسفارة السعودية في دمشق لتؤمن السفارة لهم أقرب رحلة إلى السعودية.
أما ما يدهش في حكاية المواطن الحربي المفجوع في أمنه وماله فهو مطالبة السفارة له بتوقيع إقرار بإعادة قيمة التذاكر!!
إنه وعندما تكون الإنسانية في أعلى تجلياتها، فأجمل ما توصف به هو الرقة، فهل استغلق على السفارة رقي المستوى الإنساني لرؤية خادم الحرمين ليحظى به المواطن الحربي كأساسٍ للتعامل مع قضيته، وتقدير مشاعره؟!! أم إن السفارة يا ترى لم تستوعب درجة التحذير في خطاب والدنا من التقليل من قيمة وكرامة أي مواطن خاصة البسطاء منهم كالحربي، بعبارته المشددة إياي وإياكم، ليمنح الجميع بها ذات القيمة الإنسانية كأبناء وإخوة لملكنا حفظه الله؟... وهل لو استوعب أحدهم مدى هذه القرابة وشموليتها سيطالب بهذا العبث الذي يترفع عنه أقل الناس مروءة فضلا عن إحساس، بالتوقيع على تعهد مماثل؟!
هذا إلى جانب ما أضافه الحربي بعدم مبالاة السفارة بالتواصل معه، وكأنهم تكرموا عليه لمجرد حجز عودة له بتذاكر سجلت كمديونية!!، وبأنه لم يتلق أي اتصال من السفارة يطمئنه على الاهتمام بمتابعة قضيته أو العثور على سيارته التي اشتراها جديدة قبل ثلاثة أشهر!
ورغبة من جريدة الوطن في توحيد الرؤية والتوجه بين أهل الإعلام وأهل السياسة، ذكرت أنها حاولت الاتصال على القائم بأعمال السفارة في سوريا فواز الشعلان إلا أن ذلك تعذر عدة مرات!!
إن السفارة كمؤسسة حكومية وطنية رسمية، من ألزم واجباتها تسخير كل إمكاناتها لتوجيه ودعم ومساندة أبناء وطنها، ومطالبة الجهات الحكومية في بلد الإقامة أو السياحة بتلبية احتياجات رعاياها قدر الإمكان، بما يضمن سلامة وكرامة مواطنيها، وهي مسؤولية عريضة وكبيرة تعتمد بشكل خاص على شخصية السفير ذاته، ومدى ولائه للوطن، واستيعابه لحقوق الجالية، وأداء واجباته بتجرد وتفانٍ، ملتزما العدل والشفافية بلا تمييز ولا محسوبيات، وهو مجمل ما ذكّر به ملكنا ـ حفظه الله ـ السفراءَ، فهل من مدّكر؟!
إننا إن كنا فعلا عازمين على الإصلاح بمعناه الواسع على مستوييه الفكري والمهني فلا أقل من أن تتوحد الجهود والتمثيل والحضور على مستوى يليق بالوطن وكرامة المواطن، بوضع معايير مشددة على الشخصيات التي تمثل المملكة، وأدائها لواجبها الوطني، وتقبلها للنقد والملاحظات، ومحاسبة المقصرين، لإبراز جهود توعوية وتبصيرية عن السعودية ومستوى خدماتها لأبنائها بما يليق بمملكتنا ومستوى رؤيتها كمملكة للإنسانية، والذي لابد أن يوجه لأبنائها قبل انعكاسه على سواهم، فاحترام أبناء الوطن هو احترام للوطن، وسبب لاحترام الشعوب للوطن وسيادته.
والمستغرب أنه ورغم تكرر حوادث الاعتداء المسلح ضد السعوديين في سوريا إلا أن سفيرنا عبدالله العيفان ذكر أنه يستقبل المواطنين ساعتين يوميا، إضافة لوجود موظف مناوب ومحام على مدار 24 ساعة لخدمة المواطنين، فهل يا ترى لم يسمع بالحادثة؟ أم لم يشرف على الإجراءات المقصرة واللاإنسانية مع المواطن الحربي؟
أظن ـ والعلم لله ـ أن خطاب ملكنا استغلق على بعض السفراء واستحكم رتاجه، أو أنه ـ وببساطة ـ لم يجد أذنا صاغية!