اعتقاد مرسي بأنه كان يتمتع بحماية البيت الأبيض كان منطقيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار التلميحات السابقة من واشنطن. لكن أوباما لم يقل إن الإطاحة بمرسي تعد انقلابا ولم يوقف المساعدات العسكرية لمصر

مرسي، كرزاي، أوردوغان، السيسي؟ هل سينضم هؤلاء القادة إلى عباس، القذافي، المالكي، في قائمة القادة الذين تم رميهم تحت حافلة الرئيس باراك أوباما؟
الرئيس الأميركي ليس شخصا يمكن الوثوق به في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر. داخل الولايات المتحدة، التحرك الأخير الذي قام به البيت البيض بإلغاء بند في الرعاية الصحية كان الحزب الديمقراطي –حزب أوباما- يعده مهماً، جعل الديمقراطيين يشعرون بالحيرة. في نهاية الأمر، الكونجرس الديمقراطي أجبر على دعم الرعاية الصحية التي اقترحها أوباما لأنه ضمن أن جميع الموظفين سيكون لديهم ضمان صحي يوفره صاحب العمل. فجأة في الأسبوع الماضي، أجلت الإدارة الأميركية ذلك الوعد لمدة سنة. كانت المعارضة كبيرة. توقع ما يفعله أوباما صعب جدا. لكن علامات التحذير التي ظهرت في التغييرات المفاجئة في السياسة يجب ملاحظتها. لنأخذ مصر على سبيل المثال. بحسب ما نشرت صحيفة (صنداي تليجراف) يوم 7 يوليو، حاول الرئيس محمد مرسي كثيرا استخدام أوباما كدرع يحميه من خسارة السلطة.
كتبت صحيفة صنداي تليجراف التفاصيل الدقيقة للأحاديث المقتضبة الأخيرة بين مرسي والسيسي لا يمكن ذكرها مرة أخرى إلا في كتب التاريخ، لكن لمحات ظهرت بالفعل في الإعلام المصري عن كيفية قيام السيسي بإطلاق رصاصة الرحمة. سأل السيسي الرئيس مرسي ما هي شرعيتك؟، مستخدما الكلمة التي لوّح بها الرئيس مرسي كثيرا.
لكن الرئيس مرسي رد عليه هذا انقلاب والأميركيون لن يسمحوا لك بالقيام بذلك.
لكن بالنظر إلى ما قاله مرسي الآن، يبدو أن ذلك كان آخر الأحكام الخاطئة التي أطلقها الرئيس المصري.
لكن اعتقاد مرسي أنه كان يتمتع بحماية البيت الأبيض كان منطقيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار التلميحات السابقة من واشنطن. في 18 يونيو، قبل 12 يوما فقط من نزول ملايين المصريين إلى الشارع للمطالبة بالرحيل المبكر لمرسي من منصبه، قالت السفيرة الأميركية آن باترسون في خطاب لها: يقول البعض إن العمل عن طريق الشارع سيقدّم نتائج أفضل من الانتخابات... بصراحة، حكومتي وأنا لدينا شكوك كبيرة حول ذلك. السفيرة آن باترسون ليست شخصا بلا أهمية. يمكن القول أنها تعكس وجه الولايات المتحدة في مصر، وقد أصبحت غير موثوق بها لدرجة أن المتظاهرين حملوا لافتات عليها صور مشوهة لها، وشجبوا دعمها للإخوان المسلمين.
لكن أوباما لم يمنع وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي من إعلان رئيس انتقالي جديد. أوباما لم يقل إن الإطاحة بمرسي تعتبر انقلابا ولم يوقف المساعدات العسكرية لمصر –الأمر الذي كان يمكن أن يوجه ضربة قاتلة.
ولكن في 8 يوليو، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي، توضيح موقف الإدارة مما يحدث في مصر، واكتفت بالقول: سوف نرى. أحد الصحفيين اتهمها بالقفز بين أطواق مشتعلة لتجنب الإجابة عن أسئلة الصحفيين حول شرعية الحكومة المصرية الموقتة.
كثيرون من المحافظين، مثل السيناتور جون ماكين، يطالبون أن يوقف أوباما المساعدات الأميركية لمصر لأن مرسي كان منتخبا بشكل ديمقراطي. هناك مجموعة أخرى يطالبون بتسمية ما حدث في مصر بأن يقال عنه قانونيا انقلاب. هناك فريق موجود في مكان ما في واشنطن يعمل على تقييم شرعية العملية التي تمت في مصر وإذا ما كانت المساعدات الأميركية العسكرية لمصر سيتم إيقافها. ذلك الفريق السري يقوم يوميا أيضا بعمليتي إحصاء: فالعملية الأولى لحساب عدد القتلى والجرحى والمختفين في مصر نتيجة ممارسات القوى الأمنية الحكومية؛ ثانيا، يقوم هؤلاء باستطلاعات للرأي حول التأييد المحلي لأوباما حول سياسته الخارجية.
ليس هناك مبادئ في قرارات السياسات الخارجية التي يتخذها أوباما. لكنه يعرف أن الأميركيين تعبوا من الحرب. هنالك يقبع تعقيد آخر. فريق السياسة الخارجية التابع لأوباما، الذي يتألف بشكل رئيسي من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، يتبنى مبدأ التدخل الإنساني ويشجع الذهاب إلى الحرب لحماية حقوق الإنسان والإطاحة بالأنظمة الاستبدادية.
منذ حوالى أربع عقود، في 1974، استقال الرئيس ريتشادر نيكسون بسبب تهديدات بخلعه بعد أن أوضح قادة حزبه أنهم لم يعودوا قادرين على تأييد نظام كذب على شعبه وعلى الكونجرس بعد حرب فيتنام. الندبات التي تركتها حرب فيتنام ردعت الولايات المتحدة عن القيام بمغامرات عسكرية جديدة على مدى 30 عاما.
بعد ذلك برزت عقيدة جديدة للولايات المتحدة تعتبر الحرب الاستباقية دفاعا عن النفس، وذلك في إطار الجنون الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب كسبت تعاطف المجتمع الدولي بعد مقتل 3.000 مواطن أميركي ومقيم في هجمات 11 سبتمبر. ولكن بعد كشف الأكاذيب التي أدت إلى حرب العراق، فقدت هذه العقيدة تأييدها.
وهنا جاءت عقيدة مسؤولية الحماية. هذه العقيدة موجودة في خطاب قبول أوباما لجائزة نوبل للسلام. ولكن حتى في بريطانيا، حيث كان بإمكان توني بلير حشد آلاف الجنود ومئات ملايين الدولارات لاستخدامها في الحرب على العراق، لم يعد البرلمان يقبل الحرب والإنفاق على الحرب وهو يقاوم الوعد الذي قطعه دافيد كاميرون بتقديم أسلحة ثقيلة للمعارضة السورية.
قد تصبح مصر هي قضية الاختبار لمبدأ مسؤولية الحماية ويمكن أن تبدأ بإعلان واشنطن بأن الحكومة المصرية الموقتة هي حكومة غير شرعية.