من المفيد جدًا بالنسبة للأئمة مناقشة تحديات العصر وتكيفها مع الدين، فالإمام المطلوب اليوم هو ذاك الذي ينزل للشارع، ويحاور ويستمع إلى أفكار من حوله، ويكون قريبًا مما يدور في الحياة
الحمد لله الذي أحيانا جميعًا لنشهد أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وأسأله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يعيده علينا جميعًا ونحن ومن نحب في أحسن حال.
الكتابة عن موضوعٍ ما في مناسبة غالية كمناسبة شهر رمضان المبارك محيرةٌ بحق، ووجدت قلمي يتردد بين فكرةٍ وأخرى، حتى استقر الأمر على الكتابة الخفيفة، والسريعة عن الدور العام لأئمة المساجد، وأهمية تكوينهم، خاصة ونحن في شهر المساجد، وشهر الأئمة.
في البداية أشير إلى تقرير هام صدر ـ قبل أكثر من عام ـ عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تضمن الإشارة إلى أنه لم تتجاوز نسبة المدرج من الجوامع والمساجد والمصليات ضمن مشروع الصيانة نسبة 23%، وعددها 14 ألفاً و461، من مجموع أكثر من 61 ألف جامع ومسجد ومصلى، بينما تشير إحصائية لوزارة الاقتصاد والتخطيط صدرت قبل أعوام إلى أن عدد المساجد تجاوز 73 ألفًا، وحددت نقص الأئمة بمقدار 30 ألفًا و478 إمامًا.. تقرير وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف أكد عدم كفاية البند المخصص لصيانة الجوامع والمساجد، والتي لم تتجاوز 24% على مستوى المملكة، وعدم اعتماد التكاليف اللازمة للتعاقد على عمليات الصيانة والنظافة لتشمل جميع المساجد، والنقص الشديد في وظائف منسوبي المساجد، والعجز في أعداد وظائف الأئمة والمؤذنين والخدم للإبلاغ عن أعمال الصيانة والنظافة في المساجد، وأبرزت الوزارة في نهاية تقريرها عددًا من المعوقات التي تواجهها؛ ومن ذلك وجود عدد كبير من الجوامع والمساجد لم تعتمد وظائف لأئمتها ومؤذنيها وخدمها، مطالبةً بإنشاء معاهد تدريب الأئمة والخطباء وإعادة تأهيلهم، والتي تم تخصيص أراضٍ لها في مناطق المملكة المختلفة.
ما من شك في أن دور أئمة المساجد يمتد إلى إدارة شؤون حياة الناس الدينية والحياتية، بعيدًا عن الغلو والتطرف والانحراف، وهم من يتحمل الدور الكبير في توجيه الناس، وإعادتهم إلى طريق الاعتدال، وحتى يتسنى لهم ذلك لا بد من تكوينهم تكوينًا يفهمون من خلاله القضايا المعاصرة التي يعيشها مجتمعهم الذي يعاني ـ وبالأخص شبابه ـ من كثرة التفسيرات الدينية، وكثرة الانحراف باسم الدين.
ومن المفيد جدًا بالنسبة للأئمة مناقشة تحديات العصر وتكيفها مع الدين، فالإمام المطلوب اليوم ليس هو الإمام العارف بحدود الطهارة والصلاة، أو حتى التشريع الإسلامي فقط، بل هو ذاك الذي ينزل للشارع، ويحاور ويستمع إلى أفكار من حوله، ويجتهد في أن يكتسب مهاراتٍ ومعارفَ جديدة، ويجاهد في أن يكون قريبًا مما يدور في الحياة، وإذا لم يدرك الإمام أنه جزءٌ من هذا العالم المتغير، وأن عليه ضرورة فهم ما يدور حوله تجاوزه العصر، وأصبح غير مؤثرٍ في الناس، وتسبب بنقص ثقافته وتكوينه في تراجع أو فقدان المسجد لرسالته الأساسية في التوجيه والإرشاد.. إن النقص في ثقافة وتكوين الأئمة ـ ومن في حكمهم ـ لا بد أن يسعى من بيده الأمر إلى استكماله من خلال تأهيل الأئمة وإعدادهم وتكوينهم تكوينًا يمزجون به بين العلم الشرعي، والفكر المعاصر، ويخلعون به عن أنفسهم الثقافة التقليدية التي يعانون منها. وأختم بأن كلامي هنا عن البعض أو الغالب وليس الكل، طالبًا من ربي ـ وهو الموفق ـ أن يوفق الكل للحصول على أكبر قدر من حسنات الصيام والقيام، وأن يعيننا جميعًا على تكوين أنفسنا وتأهيلها بما يلزمها وينفعها.. اللهم آمين.