كثير من التغييرات التي تمت في شوارع 'خميس مشيط' غير ضرورية، وليس لها أثر إيجابي ملموس، بل أوجدت زحاما في مواقع أخرى، وجعلت حركة المركبات داخل الأحياء والشوارع الفرعية الضيقة أكثر كثافة

قبل أشهر قليلة انتهى العمل في نفق خميس مشيط الشهير الذي حصل على لقب أطول مشروع، وفرح أبناء المحافظة بانتهاء النفق لعله يحل أزمة الحركة في تلك الجهة من المحافظة التي سببها هذا المشروع، وصاحب انتهاء النفق خطة سير جديدة للدخول أو الخروج من المحافظة من خلال جعل بعض الشوارع ذات الاتجاهين في اتجاه واحد، ولم يدرك المخططون والمنفذون لهذه الخطة ما سيترتب على ذلك التغيير من تبعات مختلفة، ولا أعرف ما هي الجهة، أو الجهات المسؤولة عن هذا التغيير، وكيف تم اتخاذ القرار الذي غيّر اتجاه الحركة في هذه المحافظة الهادئة في حركتها المرورية، فإذا كانت جهة واحدة اتخذت القرار فهذا تفرد بالقرار، ونعلم ما للقرارات الفردية من آثار سلبية، وإن كان القرار جماعيا من أكثر من جهة فالمصيبة أعظم؛ لأنه لم يتنبه شخص واحد في هذه الجهات لما قد يترتب على هذا التغيير من إرباك للحركة المرورية في كافة أنحاء المحافظة. وقد بدأت هذه التغييرات بإزالة معلم من معالم المحافظة المعروف بدوار الساعة. ومن يتابع هذه التحولات يعتقد أن المدينة تعاني من ازدحام مروري بشكل كبير. وحقيقة الأمر أنه لا يوجد لدينا في هذه المحافظة أي ازدحام مروري كما هو عليه الحال في بعض شوارع الرياض، أو جدة، وقد يزيد عدد المركبات في فصل الصيف نظرا لقدوم المصطافين، ومع ذلك لا توجد زحمة بالمعنى الحقيقي، بل المدينة بحاجة إلى تواجد رجال المرور في المواقع التي بها كثافة سيارات، ونشاط تجاري كبير لتنظيم الحركة.
لقد أسهم هذا التغيير المتعجل – من وجهة نظري على الأقل – في العديد من المشكلات في الحركة المرورية، فقد صاحب افتتاح النفق ارتداد للحركة في الإشارة الواقعة عند نهايته الشرقية، فتم إلغاء الإشارة، وهذا قد يكون حلا موقتا، وقبل ذلك تم تغيير مداخل المدينة وحصرت في جهات محدودة جدا؛ ففي حالة الرغبة في الدخول إلى وسط المحافظة (المركز التجاري) لا بد من السفر إلى الجهة الجنوبية منها، ونتج عن ذلك زحام غير مسبوق في الطرق التي تم تغييرها إلى اتجاه واحد، أو الاتجاه إلى أقصى شرق المحافظة للدخول من الجهة الأخرى، وأدى ذلك إلى ازدياد الحركة المرورية في الشوارع الضيقة داخل الأحياء، وقد ينتج عن ذلك حوادث مرورية كثيرة، كما أن تعديل المسارات في بعض الشوارع شكل ضغطا كبيرا على شوارع أخرى، حيث كان هناك عدة مسارات عدلت لمسار واحد، ونتج عن ذلك زحام بدرجة كبيرة، وتعطيل للحركة المرورية، وذلك نتيجة لأنه لم تتم دراسة هذا الموضوع بشكل كاف من جميع جوانبه. وهذه التغييرات أدت إلى تضييق فرص دخول المحافظة إلى مسارات محدودة جدا قد لا تتعدى مدخلين رئيسيين فقط، وإلى جعل الخروج منها في اتجاه واحد رئيس، ومخرجين فرعيين، ولذلك يواجه من يرغب في الدخول إلى، أو الخروج من المحافظة صعوبات، وازدحاما مروريا في الأوقات غير الذروة.
لقد كنت أتمنى من صانعي هذا القرار أن يقفوا مع أنفسهم وقفة تأملية استطلاعية لهذا المشروع الذي أرى أنه يهدف إلى التغيير لا إلى التطوير، ولا أعرف ما إذا كان قد تم عمل دراسة جدوى لمثل هذا المشروع من قبل جهة متخصصة، ومحايدة، ويتم أخذ رأي جميع الفئات المستفيدة، وفي حالة ثبوت جدوى المشروع يتم تنفيذه على مراحل بحيث لا يتم الانتقال من مرحلة لأخرى إلا بعد أن تثبت المرحلة الأولى فعاليتها، وتحقيقها للأهداف المحددة لها، وفي حالة عدم نجاح، أو فعالية أي مرحلة يتم التراجع عنها، مع أنني لا أرى تنفيذ أي عمل غير مدروس بشكل جيد، ومخطط له بشكل كبير، كما أن كثيرا من التغييرات التي تمت كانت نتيجة لردة فعل لتغييرات سابقة لها؛ حيث تم حل مشكلة متوقعة عند البعض في مكان معين، وفي المقابل ظهرت مشكلات أخرى غير متوقعة لدى الكثير في أماكن أخرى من المحافظة، ونتيجة لهذه التغييرات المتلاحقة على الحركة المرورية في المحافظة فقد تتأثر حركة الإسعاف، ومركبات الإنقاذ، والدفاع المدني، وغيرها، نظرا لمحدودية مداخل ومخارج المدينة، وهذه قد تكون من النقاط الرئيسة التي فاتت على صانعي القرار في هذا المجال.
وكان من المأمول أن تكون هناك نظرة شمولية للمحافظة، ومداخلها ومخارجها، وأفضل السبل التي تؤدي إلى انسيابية الحركة منها، وإليها، مع أنني أعتقد أن كثيرا من التغييرات التي تمت في شوارع المحافظة كانت غير ضرورية، وليس لها أثر إيجابي ملموس، بل أوجدت زحاما في مواقع أخرى من المحافظة، وجعلت حركة المركبات داخل الأحياء والشوارع الفرعية الضيقة أكثر كثافة، ولا شك أن التغيير بهدف التطوير مطلوب، بل ضروري، وليس التغيير للتغيير، ولكن يجب أن يكون مدروسا بعناية، وأن يتم وفق جدول زمني، وتقييم مرحلي، وأن ينظر لما قد يترتب عليه من أمور، وأن يحقق مصالح عامة، وعلى المدى الطويل. وهنا أحب أن أوجه رسالة للمسؤولين في المحافظة بأن التراجع عن بعض المواقف، والتغييرات في الحركة المرورية بالمحافظة ممكن إذا كانت المصلحة تتطلب ذلك. كما أن نفق المحافظة الشهير لم يحل المشكلة التي تم إنشاؤه من أجلها، حيث الحركة المرورية فوق النفق أعلى منها داخله، ولذلك لم يحقق النفق أهدافه، وهذا دليل على عدم وجود دراسات جدوى لكشف أهمية المشروعات ومدى الحاجة لها.