دعوا مصر تعبر هذه المرحلة الحرجة من تأريخها بسلام، وليرتفع صوت العقل على تلك الأصوات المنادية بالتظاهرات واستمرارها، لأننا في أتون محنة كبيرة

هتفت من وهلتي، وأنا أتابع ما يحدث في مصر، من وسط آسيا، حيث عاصمة تيمورلنك، مدينة سمرقند التاريخية: الآن الدور على حكماء مصر ومشايخها، لمنع الفتنة الداخلية، فما سيحدث في مصر، سينعكس على العالم العربي بأسره.
سألت سائق الأجرة في هذه المدينة البعيدة جدا عن مصر، عن رأيه فيما حصل بأرض الكنانة، ورد بأنه لا يعرف كثيرا، ولا يهتم أصلا، إلا أن الرئيس المصري الجديد –لا يعرف اسمه- من المتطرفين الاسلاميين، ما جعلني أغمغم في نفسي، بأن الإعلام فعلا نجح بامتياز في تشويه الرجل، فرجل عامي بعيد جدا عن موقع الأحداث، كان هذا رأيه في الدكتور محمد مرسي، فما بالك في البقية!
كتبت رأيي في دخول الإخوان المسلمين انتخابات الرئاسة المصرية، وهم الذين فازوا بأغلبية في البرلمان، وأخافوا العالم حينها، وقلت إنهم أخطؤوا جدا بهذا الطمع والاستحواذ، وتمنيت أن يحافظوا على ما اكتسبوه من ثقة الشارع المصري بهم، ولا يمضوا أكثر، لأن الغرب سيتحد ضدهم، وهو الذي فوجئ وفجع من وصول الإسلاميين المفاجئ، فضلا عن عدم مقدرتهم –مهما كانوا- في حل مشاكل مستعصية جدا، سيرثوها عن نظام مبارك.
كتبت وقتها، إنهم لو اكتفوا بأن يكونوا صوت المواطن البسيط، وثلة التكنوقراط والمثقفين الذين منحوهم أصواتهم في البرلمان المصري، وأن يسهموا - بأغلبيتهم - في صنع مصر جديدة منفتحة على العالم من داخل البرلمان، لأن هذا لخير مصر وبقية الدول القريبة منها، وكان هذا الرأي هو السائد في تلك الجماعة، بيد أن فريق الشباب كعصام العريان وغيره، أخذتهم نشوة النصر، ولم ينتبهوا إلى أن القضية أكبر من نشوة نصر عابر، وهم الذين لم يجربوا طيلة إنشاء جماعتهم أي نوع من الحكم، وكان من العبث فعلا، وقلة التقدير القفز على المراحل، والظن بأن مسألة حكم دولة كمصر، ستكون بتلك السهولة واليسر، مقارنين أنفسهم بتجربة إردوغان في تركيا، بتصور ساذج سربل فكر الجماعة قبل دخولهم انتخابات الرئاسة.
بالطبع، سيرد بعض الأحبة بأن الرئيس المصري لم يعط فرصة لتنفيذ خططه، ولكن يا سادة، هي السياسة، وهذا من صميم ما يعتورها، وتأملوا فعلا النتيجة الكارثية التي انتهت إليها الجماعة في تشويه كامل لصورتها، التي كانت ناصعة قبل أن يحكموا، ولربما سائق التاكسي العامي في سمرقند مثال أسوقه لما حصل، فضلا على الأخطاء الكبيرة التي وقعوا فيها أثناء الحكم، فالنسبة التي فازوا بها هي 51% فقط، وقاموا بالحكم ولكأن كل الشارع المصري معهم، وإردوغان وجماعته، انطلقوا من المجالس البلدية، واختلطوا بالناس، ونفعوهم هناك، قبل أن ينتقلوا للرئاسة.
أتمنى الآن على حكماء مصر، وعلمائها وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، أن يعيدوا الجموع في رابعة العدوية إلى بيوتهم وأعمالهم، وأقرّ بأن مرسي ُظلم في تجاوز العسكر الشرعية بخلعه، ولكن كان لا مفرّ من ذلك، لأن البديل -إن ظلّ الاحتدام- حرب وفتنة داخلية، ستأكل الأخضر واليابس، وسيخسر الجميع وقتها.
دعوا مصر تعبر هذه المرحلة الحرجة من تأريخها بسلام، وليرتفع صوت العقل على تلك الأصوات المنادية بالتظاهرات واستمرارها، لأننا في أتون محنة كبيرة، وأعلم بأن الإخوان يستطيعون حشد الشارع كل أسبوع، في مليونيات متعاقبة، ولكن مصر هي من ستدفع ثمن هذا العنت، وهو ما يتوجب على كبار الجماعة أن يتدخلوا، وينادوا شبابهم بالعودة، والانصراف إلى المعارضة الحكيمة، فثمة قراءة خاطئة، وانزلاق فادح وقعوا فيه، وخسروا في عام واحد ما لم يخسروه طيلة عمر الجماعة.
أيها الإخوان: لتكن مصر فوق حزبياتكم، ولا يكتب التاريخ أن من سبقكم كان أكثر حرصا على مصر منكم.