الدخول إلى هذه المنطقة من المقاربة بين ما هو طبيعة غريزية وما هو فن مبدع، يعيدني إلى رأي قديم كنت طرحته حين كان للمنتديات الإلكترونية صولاتها وجولاتها، ما جعل كثيرات من العضوات يتهمنني بمصادرة جهد المرأة الإبداعي وما تنتجه من فعل يمكن أن يرفد المشهد الثقافي بوجه عام.
المقاربة سالفة الذكر تتوجه إلى أن الحالة الإبداعية وما يحيط بها من أنساق وما يتولد عنها من نصوص، والحديث هنا على صعيد الفن السردي، قصة كان أم رواية، في حاجة إلى عقل أكثر من عاطفة، ورصد دقيق أكثر من تهويم أو ظنية، ولغات سردية متعددة وذات مستويات أكثر منها لغة ترنّمية مموسقة حالمة، والأخيرة من الصفات هي ما أعتقد بأنها تغيب الفعل السردي لدى المرأة، وتقوض معماره حين تكون أسسه وأعمدته مجرد مواد مستعارة أو كناية عن المادة الأصل التي تنبني عليها تمظهرات السرد بوصفه فناً له قوامه المؤسس الذي لا يتنازل عنه.
لم ولن أشكك بوجود مبدعات استطعن سرقة الأضواء وجمع هالات الإعجاب حولهن، خاصة في مجال الرواية، غير أنّ نسبة غير يسيرة تسيطر عليهن لذة الحكاية الممزوجة بالتداعي الشعوري وغالبه حزين متظلم شكاء وبكّاء، فيبطئ السرد وتصدأ عجلته حتى لتراه يتوقف عن الحركة، وينزاح شيئاً فشيئاً إلى حالة شعرية تبين عنها سياقات مغرقة في تهويمات الشوق والوله والوجع والدفء وما إلى ذلك مما ينفر منه السرد على صعيدي التقنية والتلقي كذلك، فيدخل الملل إلى القارئ ويبدأ يفقد ارتباطه بالنص بل ويتحامل عليه ويشكك في صدقه وعلاقته بالمعيش، وتتسرب إلى نفسه وشاية مفادها أن العمل برمته سقط من كونه فناً إلى محض كتابة. الحكاية عند المرأة غريزة وصفة من صفات الحضور والتأثير، والحكي أساس للسرد، السارد يستخدم تقنية الحكي بوصفها محركاً للسرد لا معيقاً له، وعليه فلو تخيلنا الرواية نهراً فستكون الحكاية الحدوتة تيارات صغيرة في عمق النهر فيما يطفو السرد ليحدث المظهر الأخاذ الذي يفتن المارين فيطيلون المكث على شاطئيه ويمتاحون من صفوه.
الإشكالية أن الكتابة الأنثى في بعض حالاتها تسوط النهر بمجدافها فتقلب عاليه سافله لتخرج الحكاية عكرة ويذهب رقراق السرد ولمعانه فيغادره العابرون وتبقى صاحبتنا تعالج دوامتها المبعوثة دون خلاص.