لا أحد يقف ضد حرية التعبير، ولا أحد يستطيع أن يقول: إنه ضد حرية التعبير.
في المقابل؛ يتفق العقلاء على أن حرية التعبير المؤدية إلى إراقة دم الإنسان، وتقسيم الأوطان، غير مقبولة، بل ويجب حجبها، لا للحجب في ذاته، وإنما من أجل السلام وحقن الدماء.
في الظاهر، يكون الإغلاق القسري لقنوات فضائية مرفوضا في إطاره العام، دون التعامل مع التفاصيل، لكن الحقيقة أن الإغلاق نفسه يكون فعلا ممتازا إذا أدى إلى حفظ الأرواح، ومنح البشر شيئاً من سلام.
المعادلتان هنا هما: حرية مطلقة = دماء وانقسام، أو حرية منضبطة = تهدئة وحوار، ولا أظن أن عاقلا سيختار الأولى مسقطا إياها على الحالة المصرية.
لقد كان قرار إغلاق قنوات: الناس، مصر 25، الحافظ، الشباب، والرحمة، سعيا وراء تحقيق التهدئة وحقن دماء المصريين، وكان التوقيت مهما لأنه كان من الممكن أن يندفع العاملون في هذه القنوات اندفاعا عاطفيا يفضي إلى التهييج، وسكب البنزين على النار، في لحظات يسودها التوتر، وتغيب فيها أسباب الحكمة.
مصر تنقسم، حيث السيادة للعواطف، والميدان مهيأ للاندفاعات، وكلمة واحدة غير مسؤولة، يمكن أن تؤدي إلى نهر من الدماء، في وقت يستلزم من العقلاء التنازلات من أجل أم الدنيا وهبة النيل.
لا يمكن أن تكون الحرية بكل جمالياتها مقرونة بخطاب الكراهية، ولذا كان من المحتم فصل الحرية عن بث الكراهية، وتصفيتها من شوائب أصحاب نظرية الفسطاطين، لتبقى مصر فسطاطا واحدا، ولتبقى الحرية ناصعة كمعناها الذي تتوق إليه البشرية، دون أن تلوثها الدماء أو تلطخ أحرفها الفتن.