انتشرت وسائل الاتصال الحديثة في العراق بعد 2003 انتشاراً واسعاً، في بلد كان الشعب فيه محروماً طيلة أكثر من 30 سنة من مسك سماعة التلفون التي كانت مراقبة من الأجهزة البوليسية والجلادين
-1-
كراهيتنا لكاتب ما، والذي يكتب في بعض الأحيان ما لا يعجبنا ويرضينا في بعض القضايا والمواقف، يجب ألا تدفعنا إلى مقاطعته كلياً، وعدم قراءة كتابه، أو قراءة كل ما يكتب. ويجب علينا أخذ ما يُفيد وإهمال ما لا يُفيد، شرط أن نتسلح بالشجاعة، ونتخلص من النرجسية، والتعالي، والمكابرة، والخوف الكاذب، غير المُبرر على الثوابت، وعلى الهوية، التي تحول بيننا وبين الدخول الى رحاب الحداثة.
فكراهيتنا لأميركا – مثلاً - نتيجة لمواقفها من القضية الفلسطينية، يجب ألا تحول بيننا وبين سماعنا لها في باقي القضايا والمواقف الأخرى، لنرى ما عندها من المفيد وغير المفيد.
فعلينا أن نتخطى مرحلة الربط بين كراهيتنا لشخص الكاتب ولما يكتب. ويجب أن نصل إلى مرحلة عقلانية وواقعية، نصل فيها إلى الأخذ بالكتاب المفيد بغض النظر عمن كتبه. فالمهم لنا ليس الكاتب ولكن ما يكتبه. وكراهيتنا لأميركا يجب ألا تصدنا عن أن نقرأ ونفهم ما تأتي به إلينا أميركا أو غيرها، من القوى في العالم، من أفكار ومشاريع جديدة.
-2-
المتأمل والمراقب لما يجري في العراق الآن على الساحة السياسية، لا يكاد يصدّق ما يراه، وما يسمعه، وما يقرؤه.
ما جرى في العراق منذ 2003 على المستوى السياسي، أشبه بالحلم المستحيل، الذي ظل يحلم به العربي منذ الاستقلال حتى الآن؛ أي منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.
أحزابٌ سياسية (80 حزباً) تقوم في العراق من كل الاتجاهات، ومن كافة الأطياف السياسية، دون حَجْر، أو منع، أو اضطهاد، أو ملاحقة، أو تهديد بالقتل. صحفٌ تصدر من كل الاتجاهات، ومن كافة الأطياف السياسية، دون رقابة، أو رسم لخطوط حمراء، وصفراء، وسوداء، وخضراء.
وصحفُ العالم كلها، تدخل العراق دون رقيب أو حسيب، لكي تحرر العقل العراقي، والإعلام العراقي من السجن، الذي وُضع فيه هذا الشعب. وهذا الإعلام طيلة أكثر من 30 عاماً مضت من الحكم الدكتاتوري قبل 2003.
لم يعد الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، مُلكاً للدولة الشمولية التسلطية، كما كان قبل 2003.
أطباق الفضائيات تنتشر في كل بيت عراقي قادر على امتلاكها، لكي تنقل إلى العراق ما يجري في العالم، بعد أن كان العراق معزولاً وراء ستار حديدي أشبه بستار الاتحاد السوفيتي السابق المنهار، وبعد أن كان امتلاك الأطباق اللاقطة من المحرمات والكبائر السبع، التي يمكن أن يلقى مرتكبها جزاء الموت!
وسائلُ الاتصال الحديثة بكل أنواعها في العراق انتشرت بعد 2003 انتشاراً واسعاً، في بلد كان الشعب فيه محروماً طيلة أكثر من 30 سنة من كلمة (آلو) أو من مسك سماعة التلفون التي كانت بمثابة ثعبان الكوبرا السام، الذي يمكن أن يقتل صاحبه، والتي كانت مُراقبة من الأجهزة البوليسية، والجلادين.
-3-
بعد عام 2003، كانت مؤسسات المجتمع المدني تقوم، لكي تؤكد أن العراق الجديد، سائر نحو الحرية والديموقراطية، وأنه سيصبح المثال الديموقراطي العربي المُحتذى، دون أن يلتفت إلى الوسيلة التي جاءت بها الديموقراطية العراقية سواء جاءت على ظهر دبابة أم على غيرها، ودون عداء أعمى، لكل ما يأتي من الغرب، أو من الشرق.
بعد 2003، كان مجلس الحكم العراقي يستمع إلى الشارع العراقي. فتراجع عن قراره 137 الخاص بالأحوال الشخصية، عملاً بفضيلة العودة إلى الحق. وهو ما لم يحدث في تاريخ العالم العربي الحديث. فلا يتراجع كثير من حكام العالم العربي عن قرار أصدروه ظلماً، أو خطأ. بل يحدث عكس ذلك في العالم العربي، إذ إن بعض الحكام يصرّون على إصدار أحكام ضد إرادة الأمة، ويصرّون - قهراً وقمعاً - على إبقائها، كقوانين الطوارئ، وقوانين النشر والإعلام، وقوانين حبس المعارضة، ومطاردتها، واضطهادها.
-4-
بعد عام 2003، صدر دستور مؤقت نادر، تمَّ التوقيع عليه، وإقراره، يتيح للمرأة العراقية أن تشارك بنسبة مئوية لا تقل عن 25%، في كافة مجالس الدولة المنتخبة وغير المنتخبة. في حين أن المرأة العربية - كما قال تقرير التنميـة البشرية للأمـم المتحدة لعام 2002 - لا تشارك إلا بـ5% فقط، في بعض بلدان العالم العربي، وهي أدنى نسبة في العالم!
وسنكمل في الأسبوع القادم، باقي بانوراما المستقبل السياسي للعراق، إن شاء الله.