الهدف واضح من عمليات حزب الله في غرب سورية، وعلى الحدود اللبنانية-السورية، وفي حمص، وهو تأسيس منطقة علوية يتم تطهيرها طائفياً، تمهيداً لتأسيس دولة طائفية على الساحل

كان سقوط حزب الله واضحاً ومدوياً في الأسابيع الماضية، بعد المذابح التي ارتكبها مقاتلوه خلال احتلال بلدة القصير السورية. فمعركة القصير أقنعت البقية الباقية من المتعاطفين مع حزب الله بأنه لم يعد حركة مقاومة ضد إسرائيل، كما كان يدّعي، بل ميليشيا طائفية تعمل في خدمة النظام السوري والمشروع الإيراني في المنطقة.
ومن الواضح أن الفظائع التي ارتكبت في القصير، وقبلها في البيضاء وبانياس، هي جرائم حرب في تعريف القانون الدولي، ويمكن لذلك تحريك الدعوى ضد حزب الله من قبل محكمة الجنايات الدولية، فحين أصبح حزب الله يقاتل خارج حدود لبنان ويحتل مدناً وقرى سورية أصبح مسؤولاً مباشرة أمام القانون الدولي عن جرائم الحرب التي يرتكبها أعضاؤه في سورية.
في 5 يونيو سقطت القصير، وهي مدينة قرب الحدود اللبنانية، ثلاثين كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من حمص، بعد حصار دام أسابيع، أمام الهجوم المشترك للنظام السوري وميليشياته (الشبّيحة)، وقام حزب الله بدور قوات الصاعقة في الهجوم الأخير على المدينة ودخلها دخول الغزاة.
بعد سقوط القصير، تبادل قادة إيران وسورية وحزب الله التهاني بـالإنجاز الاستراتيجي، وتبعه قيام المسلحين المنتصرين بعمليات قتل على الهوية وتطهير طائفي في أحياء المدينة والقرى المحيطة بها، استهدفت الأسر السنية على وجه الخصوص. واستمرت عمليات حزب الله في المنطقة بالتنسيق مع قوات النظام السوري وميليشياته ومقاتلين من إيران والعراق، وفي الأسبوع الأخير من شهر يونيو، سقطت بلدة تل كلخ، على الحدود اللبنانية-السورية أيضاً، تبعد (45) كليومتراً غربي حمص. وتخضع اليوم مدينة حمص (ثالث أكبر مدن سورية بعد حلب ودمشق) لحصار دامٍ. وهذه ليست المرة الأولى التي تخضع فيها حمص للحصار، ولكن الحصار الآن يتميز بمشاركة مقاتلين من حزب الله والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها.
منذ سبع سنوات فقط، استطاع حزب الله أن يبني صورة إيجابية في لبنان والعالم العربي عن مقاتليه الذين صمدوا أمام إسرائيل في حرب غير متكافئة، ومنعوا قواتها من تدمير الحزب والقضاء عليه. وكان ذلك إنجازاً مهماً، خاصة لدى مقارنته بعجز الجيوش النظامية العربية عن الصمود أمام إسرائيل.
وصورت الآلة الإعلامية للحزب مقاتليه كأبطال وطنيين يدافعون عن لبنان والعرب والمسلمين أمام غطرسة إسرائيل. ولكن سرعان ما بدأ الحزب في توظيف ذلك لأغراض حزبية ضيقة. فكان الهجوم وقتها على بيروت الغربية، حين دخلها مقاتلو الحزب ونشروا الرعب والدمار فيها. وكانت بيروت الغربية، ذات الأغلبية السنية، قبل ذلك بعيدة عن سيطرة الحزب، أكثر مناطقه حرية وانفتاحاً، تتمتع بالتنوع الثقافي وتتعايش فيها الطوائف المختلفة، متحديةً بذلك نظرته الضيقة.
ومنذ الهجوم على بيروت الغربية في عام 2006، استمر انزلاق حزب الله التدريجي نحو نموذج الميليشيا الطائفية. وأظهرت أعماله الحربية الأخيرة في سورية أن مقاتليه ليسوا مدربين في قوانين الحرب التي تحرّم القتل الجماعي والتعذيب وإساءة معاملة المدنيين. وقد أصبح الحزب بمشاركته في القتال في سورية تحت طائلة القانون الدولي. ولا شك في أن محكمة الجنايات الدولية تتابع تصرفات مقاتليه هناك، تمهيداً لبدء إجراءات مقاضاتهم، خاصة أن اللجنة الخاصة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد رصدت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل القوات السورية ووضعت قوائم بعشرات المسؤولين والضباط السوريين المتهمين فيها.
وليس حزب الله غريباً عن العدالة الدولية، فمنذ سنوات وهو يرفض تسليم أعضائه المطلوبين من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المتهمين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وينطلق حزب الله في حربه على سورية من تعليمات إيران، القوة الرئيسية التي تدعم بقاء النظام السوري والحزب. ومع أنه قوة تابعة غير مستقلة، إلا أن مقاتليه أصبحوا القوة الضاربة في هجمات النظام على المدنيين، يشاركون النظام في المسؤولية عن المذابح التي ارتكبت. وقبل معارك القصير وتل كلخ التي أشرتُ إليها، كان لمقاتلي الحزب دور في المذابح التي ارتكبت على بلدات الساحل السوري في شهر مايو. حين انضم مقاتلوه (في الأول من مايو) إلى قوات النظام والشبيحة في هجوم دامٍ على بلدة البيضاء، ثم على قرى بلدة بانياس في اليوم التالي، وكانت حصيلة المذبحتين نحو (150) مدنياً، ظهرت صور جثثهم المقطعة والمحروقة على الإنترنت.
أصبح الهدف واضحاً من عمليات الحزب في غرب سورية في مايو، وعلى الحدود اللبنانية-السورية في يونيو، واليوم في حمص، وهو تأسيس منطقة علوية يتم تطهيرها طائفياً، تمهيداً لتأسيس دولة طائفية على الساحل.
ولم تعد مشاركة حزب الله في النزاع السوري، ولا طبيعته الطائفية، سراً. ففي خطبة حسن نصر الله في 30 أبريل، اعترف بمشاركته إلى جانب النظام، ووعد بزجّ كل قواته في المعركة متى أصبح بقاء النظام السوري مهدداً، وتوعّد بحرب طائفية لا تبقي ولا تذر.
لم يتردد حزب الله في تنفيذ تعليمات إيران بمساندة ّالنظام، ليس فقط بسبب المرجعية الدينية التي يؤمن بها، بل لأنه رأى في مقاييس القوى ما شجعه على ذلك. فروسيا وإيران قد مدّتا جسراً جوياً يزوّد النظام السوري بالأسلحة. ويتقاطر المقاتلون المحترفون لدعم النظام من إيران والعراق وأفغانستان وغيرها من مناطق النفوذ الإيراني. ورأى في المقابل أن المعارضة السورية لا تتلقّى سوى النزر اليسير من الدعم، ثم رأى أن الدول الغربية التي تدعي تعاطفها مع المعارضة ما زالت مترددة في تزويدها بالسلاح.
حزب الله اليوم أكثر وضوحاً، وأكثر شراسة، بعد أن توقف عن التظاهر بالحياد في المأزق السوري، فمقاتلوه اليوم يُغيرون على البلدات والقرى السورية بهدف إرهاب وتهجير سكانها المعارضين للنظام، وأغلبهم من السنة. وتدور اليوم كذلك رحى الحرب حول مدينة حمص المحاصرة، ويعاني سكانها الذين يتجاوز عددهم المليون، ويلات الحصار وهجمات القوات الجوية للنظام وأسلحته الثقيلة، وحلفائه. وربما أصبح مصير حمص نقطة تحول في الأزمة السورية، وبالمقابل فإن مصير حزب الله نفسه أصبح الآن مرتبطاً بمستقبل هذا النزاع.