لمصلحة من يراق هذا الدم المسكوب في كاسات ما يسمى بالربيع العربي! أي ربيع هذا الذي يقتل فيه الحاكم شعبه، وأي ربيع هذا الذي يقتل فيه المسلم أخاه ويغتصب بيته وماله؟!

شخصيات عجيبة مكونة من أب وابنين وثلاث بنات، يقطنون بيتا مكونا من أكثر من عشرين طابقا. أب بالغ الثراء وأبناء تتفاوت قدراتهم في الحصول على ما يحفظ لهم لقمة العيش وربما البقاء أحياءً! فالابن الأكبر انتهازي، يحصل على ما يريد جراء حصوله على مبتغاه مما يكتنزه والده! فتكيف مع هذا الوضع بتلك الانتهازية، بالرغم من علمه أن المنزل سينهار جراء شق هائل في جداره في الدور العشرين، وسيودي بحياة أمه وأخواته الثلاث الذين يقبعون في تلك الغرفة! والابن الأصغر يقف إلى جوارهم وينصح والده بين الفينة والأخرى فلا يحصل إلا على مقت والده وغضبه! والشق يزداد اتساعا مع جذب مخيف للنساء لا حول لهن ولا قوة نحو الهاوية جراء دوامات الرياح الجاذبة؛ والأب لا يحاول النهوض من خلف خزانته التي يتكئ عليها ليصلح هذا الشق خوفا على مكانته وهيبته وماله حتى تحضر لجنة دولية تغري الأب بإعمال التجربة على هذا الشق بنوع من الزجاج الذي لو نجح لأقاموا مدينة من الزجاج يرى من هو خارجها ما بداخلها، ومن هو بداخلها لا يرى ما بخارجها! فاستحسن الأب هذه الفكرة لأمرين هامين، توفير المال المطلوب منه للإصلاح، والتطلع لمنزل لا يرى من بداخله ما هو بخارجه، فيريح رأسه من عواء القطان الذين يموتون هلعا من خوف السقوط! فتحضر هذه اللجنة وتدخل البيت وتدلف إلى غرفه بين عويل وصراخ النساء وصمت الابن الأكبر لأنه يستفيد من والده وشدة معارضة الابن الأصغر لأنه يخاف على أمه وأخواته البنات ويخشى على حياة والده إذا ما انهار هذا المنزل. إلا أن صوته يذهب مع الريح وتعتمل التجربة في حوائط المنزل، والأب يرتقب حل المدينة الزجاجية، والبيوت الشفافة الكاشفة عما بداخلها؛ فينهار المنزل على كل قاطنيه، وتموت الأم والبنات، ويجلس الأب على حطام مكتشفا أن الابن الأكبر قد عقد صفقة مع هؤلاء بمساعدته، ويكتشف الأب أن الابن الأصغر هو من يستطيع البناء وإعادة التشييد، فيسلمه (أجولة) المال ولكن بعد فوات الأوان!
هذا هو ملخص مسرحيتي الكوميدية (شق المبكى) التي كتبتها عام 1999 استشرافا لحال الأمة العربية، واستقراءً لما ستصل إليه الأمور. مجرد خيال كاتب يهذي بين السطور يستدعي الضحكة على الحال وليس الضحكة من الحال العربي، فيذهب الضحك في أرجاء صالات وقاعات المسرح يجلجل عاليا جراء مفارقات عديدة ومضحكة تذهب بالمشاهد بعيدا عن مأساة المسرحية الحقيقية، التي تتحول فيها الضحكات إلى دموع ونهنهات مع إسدال الستار! فهذا هو وطننا العربي يموج بالدماء والقتل والاغتصاب والفقر والموت (الساكت) وهو أشد أنواع الصدمات!
من يقتل من؟ من يكره من؟ من يقف مع من؟ من يتخلى عمن؟ أسئلة محيرة وحال عبثية لا يستطيع صمويل بيكيت وأداموف ويونسكو وأرآبال والفريد جاري وكل رواد المنهج العبثي تصويرها في عالمهم الخيالي!
عالم يموج بكل شيء وفي نفس الوقت بلا شيء! قضية درامية تستدعي التفكير في كل شيء! لأن الحصيلة في نهاية الأمر لا شيء سوى الموت والقهر والجوع والتبعية إن طال بها هذا العبث المستشري في نفوس الخلق تحت دافع البحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة، لأنه أصبح جزءا من العالم المتطور والمتقدم في حين أنه يدرك أنه يتحرك على كرسي متحرك عاجز عن تحقيق الذات والطموحات تماما كقاطني ذلك المنزل الآيل للسقوط، فقط الناس تبحث عن استقرار ولقمة عيش بكرامة، فقط أناس (غلابة) ولكنهم شرفاء، فقط يرفضون الشللية والمحسوبية والتقتير والعوز في وطن أنعم الله عليه بخيرات اقتات الغرب عليها فنهضوا! ولكن لمصلحة من يراق هذا الدم المسكوب في كاسات ما يسمى بالربيع العربي! أي ربيع هذا الذي يقتل فيه الحاكم شعبه، وأي ربيع هذا الذي يقتل فيه المسلم أخاه ويغتصب بيته وماله؟! وأي ربيع عربي هذا الذي يتسول فيه العرب من دول أخرى لتسد رمقهم؟! فما خلف لنا هذا الربيع إلا خريفا كهلا متساقط الأوراق نتيجة تعنت وطمع ومكالبة على النفوذ دون النظر إلى حال الوطن الذي تجسد لنا في تلك العمارة متعددة الأدوار والتي كنا طيلة المسرحية نستلقي على ظهورنا من فرط الضحك على شخوصها وهم يديرون الحيل والمناورات قبل إسدال الستار!
أي ستار سيسدل على صراع بين أفراد الوطن الواحد وأبناء القرية الواحدة حتى وصل إلى أبناء البيت الواحد، أي ستار سيسدل على مذاهب متعددة يقتل بعضها الآخر وكأنها شهوة الدم قد اندلعت من بين أنياب (دراكولا)! أي ستار تجسد في واقعة عربية أول أمس في حي الهرم بمصر حيث دخلت جماعة من الناس على أهل بيت فقتلوهم ومثلوا بجثثهم وهم مسلمون مثلهم ليس لشيء سوى أنهم من مذهب آخر! أي ستار سيسدل على خطف الأطفال وبيع أعضائهم خارج الوطن وهم من ذوي لغتهم ودينهم ووطنهم! أي ستار سيسدل على هراوة ترفع في كل شارع لقطع الطرق والسلب والنهب، أي ستار سيسدل على ما ظهر مؤخرا تحت مسمى (جهاد المناكحة) فيذهب الرجل ويمد حبلا ليملأه من بنات سورية العربيات الحرائر، أي جهاد هذا في فرط اللذة وانتهاز الفرص وحاجات الآخرين! أي جهاد تنتهز به حوائج الناس، إن كنت تريد الجهاد بالمال فليس بالحصول على اللذة من الزواج بالجملة من بناتنا العربيات المضطهدات بواقع الربيع العربي! إن كنت تريد الجهاد فأعطهن هذا المال ـ الذي تستدر به لذتك ـ وهن مستقرات في بيوت آمنة وعليك أن تفعل ذلك. أي ستار سيسدل على أطفالنا وهم في المخيمات على الحدود الأردنية والتركية وغير ذلك تحت لهب الشمس الحارقة، أي ستار سيسدل على مياه النيل المهددة بالانقطاع أو الانخفاض على أفضل حال، ولربما يتحول إلى حصى كنهر الأردن. أي ستار سيسدل على صراعات في اليمن وليبيا وتونس وسورية ومصر والسودان والعراق؟ وطننا يموج ونحن نشاهد العرض المسرحي!