علينا حين نطالب بمعايير سياحية عالية، ألا ننسى دورنا الأكيد كشركاء فاعلين في العمل وإنجازه، لنتمكن جميعاً - فيما بعد - من توجيه الانتقاد للأطراف التي لم تقم بما يجب عليها
تُعد السياحة من القطاعات الناشئة في المملكة العربية السعودية، التي تحاول بناء قاعدة جيدة لنفسها على المستوى المحلي أولاً، يدعمها في ذلك ما تمتلكه من تضاريس جغرافية مختلفة متعددة، فالمرتفعات الشاهقة تمتد من أقصى شمالها إلى أقصى الجنوب، والسهول تمتد إلى ما لا نهاية، ناهيك عن السواحل بأطوالها على امتداد الجهتين الغربية على البحر الأحمر، والشرقية على الخليج العربي، تمنح السائح فرصة كبيرة بتعدد الخيارات أمامه بحرية لا حدود لها، ويحتاج القطاع السياحي بالمملكة إلى عمل شاق ومضنٍ بالتأكيد، لإرضاء السائح المحلي – الذي ارتفعت لديه معدلات نسب الاشتراط السياحي - كخطوة أولى، وهو ما سيصب لاحقاً في مصلحة العمل السياحي ككل، إذ إن تعدد وتنوع الأماكن والمساحات، لا يتوافر لكثير من الدول المجاورة في الخليج كما يتوافر في السعودية، والمجهودات التي تقوم بها هيئة السياحة والآثار – مشكورة - حالياً، على الرغم من حجم الدعم المادي الجيد الذي تتلقاه من الدولة، تُعد قليلة وغير متكافئة مع حجم العمل المطلوب إنجازه في قطاع مهم كقطاع السياحة، قياساً باتساع المساحات والتعدد والتنوع الجغرافي، ولا يرقى ناتج تلك المجهودات إلى السقف المأمول للسائح الداخلي، فكيف بالسائح القادم من خارج السعودية، وهو ما ينعكس سلباً على حركة وناتج النشاط السياحي بمجمله، فالاكتفاء بإقامة المهرجانات والمناسبات الترفيهية - التي سرعان ما تنقضي بانقضاء السام -، أو تجهيز بعض الحدائق الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، ليس هو مربط الفرس الرئيسي لدى السائح، بل إن توفير الخطط السياحية المستمرة والمتوالية على مدار العام، التي توفر متطلبات السياحة الحقيقية، من حيث السكن بخدماته الفندقية العالية والمميزة، وتحديد الأسعار المعقولة – للتخلص من جشع أصحاب العقارات الفاحش -، والاهتمام بزيادة المساحات والمواقع المؤهلة لاستيعاب الأعداد الجيدة من السواح، يمكن من خلالها الحديث عن سياحة داخلية مُقنعة.
وفي ظل الأوضاع التي تمر بها معظم الدول العربية، التي كانت خياراً صيفاً للكثير من الأسر، أعتقد أن الفرصة مواتية لتحويل (الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية) إلى (وزارة مستقلة)، لتتمكن من القيام بمهامها على أعلى المستويات القياسية العالمية، من حيث الإنجاز التطبيقي على الأرض من ناحية، وعلى مستوى النشاط السياحي النوعي، والعمل التوعوي السياحي بشكل أكبر من ناحية أخرى.
الأحد الماضي من هذا الأسبوع، نشر الزميل بإدارة تحرير صحيفة الوطن الأستاذ (عيسى سوادي) على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، صورة لأحد المتنزهات بمنطقة القصيم (متنزه الحاجب بعنيزة)، تحت هاشتاق (صورة أحبطتني)، كان قد التقطها زميلنا (صالح العبيد)، ونشرتها صحيفة الوطن في عدد سابق من الأسبوع ذاته تحت عنوان وعي غائب.
لقد كانت الصورة مُخجلة ومُؤلمة بكل ما تعنيه كلمتا (مُخجل ومُؤلم)، فقد تناثرت بقايا الأطعمة والنفايات الورقية والبلاستيكية في المكان بأكمله!! بطريقة لا تُعبر مطلقاً عن أدنى مستويات الوعي الاجتماعي – لدى بعض المتنزهين - بأهمية المكان ومقدراته، أو ما يترتب على فعل لا مسؤول نهائياً، كالذي أظهرته الصورة المنشورة! إننا حين نحمل هيئة السياحة والآثار مسؤولية عدم توفير ما يكفي من حاويات النفايات، إنما نهمل ونتهرب من مسؤوليتنا تجاه المكان والزمان معاً، ونحاول بلا وعي تجريد أنفسناً من أبسط مقومات الحس الإنساني، وما يقتضيه ذلك من تقدير لما بين أيدينا كيفما كان، وما يجب أن نكون عليه من التزام تهذيبي، تحث عليه كل الشرائع والنواميس، في كل لحظات حياتنا ويومياتنا، وبأفعال سلبية مُخجلة – لدى البعض- مثل التي كشفتها الصورة، لا يمكننا أن نلقي باللائمة على جهة ما، متنصلين من أدوارنا الأخلاقية بدم بارد هكذا! بل لا يمكننا حتى تقديم أعذار ولو شبه معقولة أو مقنعة لأفعال خاطئة مئة بالمئة. ومن عسير يحدثني أصدقاء كُثر عن موسم صيف (صاخب)، يخنقه الازدحام وتشوه وجهه كثير من التصرفات غير المسؤولة أحياناً من قِبل شريحة معينة من الزائرين، ومن الاستخدام المفرط لمنبهات السيارات، أو الدخول الخاطئ إلى الأماكن غير المخصصة للسيارات والمكتظة بالسائحين، أو إلقاء المخلفات في الشوارع العامة وغيرها! وأما مدينة (جدة) فـحدث ولا حرج كما روى لي معظم الأصدقاء!
وعلينا حين نطالب بمعايير سياحية عالية، ألا ننسى دورنا الأكيد كشركاء فاعلين في العمل وإنجازه، لنتمكن جميعاً فيما بعد، من توجيه الانتقاد للأطراف التي لم تقم بما يجب عليها، وإلا فإننا سنكون أول المتسببين في فشل أي عمل مستقبلي مهما كان صغيراً، وحتى لا تتكرر تلك الصورة.