من منا لا يريد أن يبدي رأيه بحُرية تامة؟ من منا لا يكره أن تغلق أبواب في وجهه بسبب قوله لرأيه بحرية؟. خلق الله الإنسان حرا، حتى في اختياره لمعتقداته. إذاً الحرية حق للإنسان، ولا أعتقد أن هناك أحدا - إلا ما قل- يعارض ما ذكرت.
إذاً ما مشكلتنا في إبداء الرأي وحرية التعبير؟ المشكلة الرئيسة تقع في طارح الرأي ومُستقبِله معا. طارح الرأي قد تنقصه معرفة حدود الحرية، وكلمة حدود قد يأخذها البعض بتفسير سلبي، وهي في حقيقة الأمر الطريقة السليمة للحياة، إذ إن رب العزة جعل له حدودا، وأمر بعدم تجاوزها، والحدود في الحريات هي بمثابة البرزخ المانع للمعتدي على الحرية أن يضر أحدا بغير حق، والحرية معدنها الصحيح هو الحق، فإذا استخدمت الحرية في غير ذلك، انقلبت إلى أشياء أخرى كقلة الأدب، التفسخ الأخلاقي، الوقيعة بين الناس، وأخطر من ذلك كله، إذا استخدم مصطلح الحرية في المعاملات، من بيع وشراء وملبس ومأكل، يقول القائل: أنا حر هنا يتم تنظيم هذه الحرية بوضع قوانين.
أما عن مُستقبِل الرأي فتكمن حريته في الموافقة مع الرأي أو مخالفته، وله الحق في طرح رأيه المخالف دون أي حرج، أما حدود مُستقبِل الرأي فهي تكمن في عدم فرض معارضته لمبدي الرأي أو التهكم برأي الآخرين، أي بالخروج من الحرية إلى التسلط، وهذا خروج عن الحدود.
كل ما ذكرته يعيه السواد الأعظم من الناس، فلماذا نشاهد هذا التجاذب الهدام بين طارح الرأي ومُستقبِله؟ لماذا هذا الإصرار على الخروج عن حدود الحرية؟ الجواب متقوقع في التالي: إن الحرية ليست لها دخل بذلك، وطرق الفتنة أصبحت هي الحرية ولا وجود لحدود.