عقود مرت نسي معها العرب الجملة الأشهر في تاريخهم: (بيان رقم واحد) الذي يعلن سيطرة الجيش على مقاليد الأمور. كانت الانقلابات في الدول العربية إنفلونزا تنتشر، بعضها دموي كالعراق 1958، وبعضها أبيض كمصر 1952، بعضها يُعدم الحكّام وبعضها يُرحلهم مؤدياً لهم التحية العسكرية. مُفجع هو مصير كل الدول التي حدثت فيها انقلابات عسكرية، والمفجع أكثر أن أغلب دول الانقلابات حدث فيها الربيع، ثم حدث ما لا يفهم إلا في الشرق الأوسط؛ أن تقوم ثورات شعبية على أنظمة عسكرية ثم يبدأ الحنين للجيش! هل جرّبت الشعوب الفوضى فبدأ الحنين للدولة، أياً كانت صرامتها؟
يأبى أنصار الربيع التصديق، ولكنهم ديمقراطيون ويؤمنون باستطلاعات الرأي.. تعالوا إلى منصة الربيع وثقله الكبير: مصر. كل استطلاعات الرأي الأجنبية والمصرية توضّح وبنسب متفاوتة رغبة الناس في عودة الجيش للسيطرة على الأوضاع. عودة الجيوش هذه المرة ليست عودة حكم ولكنها عودة سيطرة وإشراف. شعوب أنهكتها الفوضى فأصبحت الدماء جزءاً من يومياتها، بعد أن كانت تحلم بالحرية ورغد العيش. وبينما يغرّد المتعاطفون مع الربيع في الخليج آمنين على أعراضهم وأولادهم، مطالبين شعوب دول الربيع بالصبر على الفوضى والاقتداء بالثورة الفرنسية، يبرز عند العرب عقد اجتماعي جديد، ليس بين الحاكم والشعب، ولكن بين الشعب والدولة، وبصورة جديدة كلياً. جرّب العرب الصندوق بسرعة كبيرة فضيّعهم وتبخرت دولهم وسادت فوضى الشارع، وجرّب العرب الدبابة لعقود فدهست كرامتهم وإنسانيتهم ومسختهم لمصلحة راكبها، وتحطّمت أحلامهم وأحرقوا ورقة الحرية ليرى دخانها من يجلب لهم الأمن فيعود محاطاً بالزغاريد والترحيب! ويا ليت منظري الربيع الخليجيين يدرسون الحالة وبعمق وعلى أرض الواقع، وينتشرون في دول الربيع ليشرحوا لماذا تعثر حلمهم.. ويشرحوا لنا هل من أعراض الربيع القتل والسحل وتضخم الميليشيات؟!
سيكون الصندوق قريباً في داخل فوهة دبابة.. متى ما أمر قائدها، يقذف ويأتي بصندوق غيره.. اشتاق العرب للدولة، وملوا الفوضى، ويريدون الاستقرار حتى لو عاد (بيان رقم واحد..).