تسببوا في غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السكن والزحام
أكد عدد من أهالي منطقة عسير، أن ضعف التنمية وعدم توفير الخدمات الأساسية في الأرياف وأطراف المنطقة، أسهما إلى حد كبير في هجرة جماعية منها، ولكنه على حساب الازدحام والتكدس في المدن، مطالبين الجهات المعنية بضرورة إيجاد توازن للخدمات يسهم في الحد من الهجرة إلى المدن.
ويشير المواطن سعيد بن يحيى البشري من أهالي محافظة سراة عبيدة، إلى أن لديه أبناء وبنات في المرحلة الثانوية، ويعد العدة لنقل الأسرة إلى أبها بسبب عدم وجود تعليم جامعي للبنين في المحافظة، ومحدودية التخصصات بالنسبة للبنات، مبيناً أنه سيضطر إلى استئجار منزل لضمان قرب أولاده من الجامعة. ولفت إلى أنه لا يعدو كونه أنموذجاً لمئات الأسر إن لم تكن بالآلاف، التي تهجر القرى والأرياف في ظل غياب الخدمات.
أما المواطن صالح بن محمد آل مصلح، فأشار إلى أن العيش في القرى حالياً وتحديداً أوقات الدوام الرسمي، يشعر بالخوف، عطفاً على قلة السكان، مما اضطر البعض إلى الانتقال للمدن حتى لو لم يكن هناك حاجة لانتقالهم، إلا أن بعض القرى أصبحت شبه مهجورة، مناشدا الجهات المعنية بضرورة تفهم المشكلة، ووضع استراتيجيات تسهم في تحقيق التوازن بين القرى والمدن.
وانتقد آل مصلح المركزية في الخدمات وتركيز معظم الكليات والمعاهد في المدن، مما أسهم في حدوث ازدحام كبير بها، تبعه غلاء في أسعار المعيشة والسكن، لافتا إلى أن توزيع المواقع الحيوية على الأرياف كفيل بإنعاشها، بدليل إنشاء الجامعات في بعض المدن والمحافظات ذات الأقلية السكانية، إلا أن وجود الجامعة بها أسهم إلى حد كبير في انتعاشها، والتقليل من هجرة السكان إلى حد ما.
فيما أوضح المواطن عبدالله بن ظافر القشيري من سكان مدينة أبها، أن المدن، وتحديدا محافظة خيمس مشيط ومدينة أبها أصبحتا لا تطاق، لاسيما فيما يتعلق بالكثافة المرورية والازدحام، وغلاء أسعار السكن والأراضي، إلا أن البعض مضطر للعيش بهما، بسبب وظيفته أو التحاق أبنائه بالجامعة، أو للتجارة أحياناً. ولفت إلى أن غياب التخطيط الفاعل أدى إلى تفاقم الازدحام في المدن، والهجرة المتزايدة من الأرياف. أما المواطن هادي القحطاني، فبين أن العيش في الأرياف من أجمل ما يكون لاسيما ما يتعلق بنظافة البيئة، وقلة التلوث، وعدم وجود أعباء مالية مقارنة بالمدن، لكن ذلك مرتبط بخدمتها، وتوفير كافة الخدمات الأساسية التي تسهم في استقرار سكانها والحد من هجرتهم، مطالبا بقيام الجهات المعنية بدورها كاملاً لإيجاد التوازن المطلوب. بدوره، أكد الدكتور فائز عسيري، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات نموا، وفي فترة وجيزة شهدت المدن ازدحاماً كثيفا، عطفا على وجود الفرص الوظيفية والخدمات الصحية والتعليمية بها، وكان ذلك في ظل غياب استراتيجية تعنى بتنمية الأرياف، وخدمتها، وإن كانت وزارة التعليم العالي عملت على افتتاح جامعات وكليات في المحافظات، وكذلك التعليم الفني، إلا أنها غير كافية، ما لم يتم توفير خدمات صحية، والعمل على إسهام القطاع الخاص في إنشاء مشروعات تعنى بإشراك المجتمع المحيط، وتحد من هجرته. إلى ذلك، أظهرت دراسة حديثة للدكتور محمد السكران والدكتور صديق الطيب من جامعة الملك سعود، أن للهجرة الريفية -الحضرية آثاراً سلبية على التنمية الزراعية، وذلك بسبب انتقائيتها بالنسبة للعمر والتعليم، إذ إن معظم المهاجرين من الفئات العمرية الصغيرة الأفضل تعليماً، مقارنة بغير المهاجرين. ومن المتوقع أن تؤثر هجرة الكوادر البشرية الشابة ذات التعليم الجيد سلباً على فرص تحقيق التنمية الريفية والتنمية الزراعية المستدامة، خاصةً فيما يتعلق باستخدام المبتكرات الزراعية الحديثة والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. كما أوضحت الدراسة أن من الآثار السالبة للهجرة الريفية - الحضرية بالمملكة، انخفاض نسبة الذين كانوا يعملون في الزراعة من 22.2% قبل الهجرة إلى 1.4% فقط بعد الهجرة، وأن 40.1% من الذين كانوا يعملون بالزراعة قبل الهجرة ما زالوا يحتفظون بمزارعهم، ولكنها غير مستغلة، و17.4% باعوا مزارعهم و5.0% قاموا بإيجارها لآخرين. كذلك عكست الدراسة تقلص دور القطاع الزراعي في توظيف القوى العاملة السعودية واستبدالها بالقوى العاملة الوافدة، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة متعمقة لمعرفة أسباب ذلك ووضع حلول وتوصيات لرفع مساهمة القطاع الزراعي في توظيف القوى العاملة الوطنية. ويشير أطلس السكان الرقمي الذي أعدته جامعة الملك فيصل ممثلة في قسم التخطيط الحضري والإقليمي، إلى أن نسبة التحضر في منطقة عسير بلغت 62%، في حين حققت المنطقة الشرقية أعلى نسبة تحضر في المملكة، إذ بلغت 93%، وبذلك تفوق المتوسط بمقدار الثلث، أما أقل نسبة تحضر في المناطق الإدارية فكانت في منطقة جازان، إذ لم تتجاوز نسبة سكان الحضر فيها 34% فقط من إجمالي سكان المنطقة، أي ما يعادل نصف المتوسط.