الأمانة ليست هي الوحيدة المسؤولة عن مراقبة الأغذية، فهناك عدة هيئات وجهات حكومية أخرى تشترك معها في هذه المسؤولية، منها وزارات التجارة والصناعة، والزراعة، والصحة، وهيئة الغذاء والدواء، ومصلحة الجمارك

قامت أمانة منطقة الرياض مؤخراً بحملة رقابية مكثفة على المطاعم والمخابز وعلى المحلات التجارية ذات العلاقة بصحة البيئة. وقد طالت الحملة مطاعم شهيرة وأسماء كبيرة في مدينة الرياض. وكانت المخالفات المكتشفة تتمثل في وجود لحوم فاسدة، وسوء النظافة العامة، وانتهاء سريان تاريخ الشهادات الصحية، أو وجود عمالة من دون شهادات صحية، إضافة إلى حفظ اللحوم داخل الثلاجات بطريقة غير صحية وغير آمنة، ووجود حشرات داخل تلك المحال مع وجود خضراوات غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وعدم نظافة الأواني المستخدمة في الطهو...إلخ.
وبالرغم من أن هذه الحملة لاقت استحسان ورضا شريحة كبيرة من الناس إلا أن البعض يتساءل عن جدوى مثل هذه الحملات ومدى قدرتها على التقليل من مخاطر تلوث الأغذية على صحة الإنسان في المستقبل؟ وخاصةً أن كثيرا من المطاعم والمحلات التي تم إغلاقها، قد عاودت نشاطها مرة أخرى، وهناك من قلل من أهمية الجزاءات والغرامات البلدية المفروضة على المطاعم والمحلات المخالفة بسبب ضآلتها نسبياً، علاوة على قلة مدة الإغلاق والتي لا تتعدى فترة أسبوع واحد فقط.
وفي المقابل أيضاً، هناك من انتقد الأمانة في تسرّعها بإغلاق المطاعم، حيث يرون أن هناك اجتهادا في تطبيق اللائحة (لائحة الجزاءات والغرامات البلدية).. حيث إن المخالفات الصحية مثل سوء الحفظ والتخزين أو النظافة العامة وغيرها لديها لائحة غرامات واضحة وصريحة لا تصل إلى الإغلاق، لذا قانونياً من حق أصحاب هذه المنشآت المطالبة برفع الضرر وتعويضهم.
بالإضافة إلى ما سبق، ظهرت حملة مضادة من بعض أصحاب الأسواق المركزية الشهيرة ضد برنامج الثامنة الذي يقدمه الإعلامي المعروف داوود الشريان في قناة mbc، والذي سلّط الضوء على بعض المخالفات الصحية الموجودة في هذه الأسواق، والتي من أهمها بيع لحوم فاسدة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المخالفات المتعلقة باستيراد اللحوم المجمدة.
وتأسيساً على ما تقدم، يتضح أننا بالفعل نواجه مخاطر قد تكون عالية نسبياً لتلوث الأغذية في المملكة بشكل عام، وبالرغم من الحملات الرقابية للأمانة، وكذلك التسليط الإعلامي عليها، وبالرغم أيضاً من ردود الأفعال المتباينة سواء من المستهلكين أو التجار، إلا أنني أرى أننا مازلنا في بداية البحث والتقصي الأولي عن مشكلة تلوث الغذاء.
ومع احترامي وتقديري لجهود الأمانة في مجال الرقابة على صحة البيئة، ورغم خطورة وجسامة المخالفات المكتشفة، إلا أن التعامل النظامي والقانوني معها كان غير كاف، علاوة على عدم كفاية أدلة الإثبات لهذه المخالفات، ناهيك عن بدائية التقنيات المستخدمة في كشف التلوث.
ومن باب الإنصاف، فإنه يلزم القول إن الأمانة ليست هي الوحيدة المسؤولة عن مراقبة الأغذية، فهناك عدة هيئات وجهات حكومية أخرى تشترك معها في هذه المسؤولية، منها وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الزراعة، ووزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء ومصلحة الجمارك.
وللأسف الشديد يوجد ضعف تنسيق بين هذه الجهات، الأمر الذي أدّى في بعض الأحيان إلى تخلي بعض هذه الجهات عن مسؤولياتها تجاه مراقبة الأغذية، فإلى وقت قريب كان هناك جدل قائم بين وزارة الزراعة والأمانات في مجال الرقابة على متبقيات المبيدات الكيميائية في الخضراوات والفواكه، وكذلك عن مدى تلوث الأسماك، كما توقفت برامج الطب الوقائي من قبل وزارة الصحة في بعض المناطق، والمتمثلة في قيام مراكز الرعاية الصحية الأولية بجولات دورية على المطاعم ومحلات بيع الأغذية وأخذ عينات منها لتحليلها مخبرياً. كما أن هناك إشكاليات موجودة بين وزارة التجارة ومصلحة الجمارك حول فسح السلع الغذائية المستوردة، ناهيك عن مشكلة نقص المختبرات ومخاطر الفسح دون موافقة الجهة المختصة.
وبالرغم من إشكاليات التنسيق السابقة بين الجهات الحكومية المختصة، إلا أن هناك ملاحظة أخرى بالغة الأهمية، وهي تتعلق باشتراك كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للغذاء والدواء، مجتمعة أو منفردة، في عملية الضبطية القضائية لمخالفة أحكام نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (119) وتاريخ 22/4/1429هـ وذلك وفقاً للمادة (الخامسة) من النظام. ويدخل ضمن أحكام النظام الغش في السلع الغذائية، فقد تضمنت المادة (الأولى) منه على أن المنتج المغشوش هو: كل منتج فاسد لم يعد صالحاً للاستهلاك، وغير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة. كما نصت المادة (18) على أن يعاقب المخالف: بغرامة مالية لا تزيد عن (1000.000) ريال، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بهما معاً في حال كانالمنتج المغشوش أو المواد المستعملة في غشه مضرة بصحة الإنسان، كما أكدت المادة (الثامنة) على أهمية الفحص المخبري للمنتجات الغذائية في مدة لا تتجاوز (15) يوماً.
وبناءً على أحكام نظام مكافحة الغش التجاري، فهل المخالفات التي ضبطتها أمانة الرياض، والتي منها استخدام مواد منتهية الصلاحية، ومواد مجهولة المصدر، وبيع لحوم فاسدة قد تمت إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام تمهيداً لمحاكمة المخالفين وذلك وفقاً لنص المادة (12) من النظام؟ أم إن هذه المخالفات لا تدخل ضمن مفهوم الغش التجاري، وبالتالي يتم الاكتفاء بغرامات الجزاءات البلدية؟
في اعتقادي أن في الإجابة على الأسئلة السابقة جزءا من حل مشكلة الرقابة على تلوث الغذاء، ومشكلة التنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة في هذا المجال، مع أهمية تفعيل مواد نظام مكافحة الغش التجاري وآليات تطبيقه، وإلا فإن الحملات الرقابية للأمانات قد تكون غير مجدية في الحد من مخاطر التلوث دون وجود محاكمة قضائية للمخالفين. وكما رأينا آنفاً فإنه لا يوجد نقص في التشريعات القانونية في هذا المجال، ولكن في اعتقادي ينقصنا التطبيق والتنفيذ!