ما أجمل أن يعيش المرء حياة تحفها معاني الإنسانية، ويرصع رونقها ببصمات تكون نبراس رشد وخطوات فأل حسن على دروب الخير، ينتهل منها السائرون أفعال الرحمة والمحبة للناس.
يحفظ التاريخ سيرة أشخاص كانوا مضرب مثل في دعوتهم للسلام والتسامح والتراحم. ويبرز على رأس القائمة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. كما حفظ العرب عن الأحنف بن قيس مآثر خالدة في الحلم والعفو.. ولكن السؤال اليوم: هل أصبحنا فقراء اجتماعياً؟ وهل وصلت بنا المدنية والعولمة إلى العيش بعزلة عمن يسكنون حولنا من المكلومين والمحتاجين للمساعدة المادية وتلمس احتياجاتهم ولمس جراحهم في محاولة صادقة لمداواتها!
لقد شرع بعض الجهات الحكومية كـلجنة رعاية أسر السجناء والمفرج عنهم، وجمعيات البر إلى طرق هذا الباب ورعاية الكثير من الأسر التي تخفي معاناتها خلف أبواب الفقر والفاقة، ويبقى دور المواطن في جلبابه الديني والوطني شاغرا للتحرك بمجتمعه الصغير لمسح الجراح والتخفيف من نوائب الدهر على المريض وذي الحاجة. فبين شعب يربو تعداده على 25 مليوناً لا نجد من الجمعيات الأهلية سوى النزر اليسير، التي ترفع سيف العوز عن رقاب النساء واليتامى.. تبني علاجها في المستشفيات الخاصة، وتقدم لها يد العون في هذا الزمن الصعب.
ربما تقصير بعض المؤسسات في القطاع الخاص ـ ومنها البنوك ـ يظهر واضحاً في هذا الجانب، في ظل نهمها المتزايد في استنزاف أموال ذوي الدخل المحدود الذين استسلموا لظروفهم المادية قسراً بعد أن لوت أذرعهم الحاجة للسيولة المادية. كما أن رجال وسيدات الأعمال ظلوا منزوين في منأى عن توفير المنتجات الاستهلاكية المخفضة، وتظل الشريحة المحتاجة لمثل هذه الوقفات هي من تصب كل مدخولاتها رغم قلتها في صناديق أموالهم.
يعرف الكثير أن هناك من أصحاب الأموال من يبحث عن مثل هذه الجمعيات واللجان التي تظهر نزاهتها ونشاطها الملموس ليقدم زكاته وتبرعاته لها بسخاء ونفس مطمئنة. ويبقى الإحساس بدور المسؤولية الاجتماعية ضعيفا، فينبغي أن يستشعر كل واحد منا أهمية دوره في تلمس معاناة من حوله لتضميد جراحهم، والوقوف على معاناتهم، وأخذ القدوة ممن حفظ لنا التاريخ أعمالهم النيرة، لنسلك أولى خطوات الفأل الحسن على جسور التواصل الإنساني، ولنترك للتاريخ ما نستحق أن يحفظه عنا.