لا يوجد لقاح أو علاج خاص بـ'كورونا' المتسبب بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.. فقط تعالج الأعراض لمساندة جسم المصاب في محاربته للعدوى بتنويمه وعزله وإعطائه المحاليل الوريدية

يتردد كثيرا بين الناس أن هذه الفيروسات لا تظهر إلا في مواسم محددة، وبعضهم يربطها بقرب مواسم العمرة والحج أو الأمطار والسيول. وبعض الأشخاص يتجاوز ربطهم المحيط البيئي للتحليل والاعتقاد بوجود تدابير من قبل شركات الأدوية واللقاحات لتضخيم الحقائق حتى يتسنى لها تسويق منتجاتها. الملاحظات السابقة ذكية وجزء منها صحيح، ولكنها بحاجة لدعم توعوي لفهم سبب موسمية الفيروسات القديمة والجديدة.
يتم الخلط دائما ما بين نزلات البرد والإنفلونزا، ويعود ذلك لتشابه الأعراض التي تجعل من الصعب التفريق بينهما إلا حين تزداد حدة هذه الأعراض ويتم تنويم المصاب بها، وحينها نستطيع الجزم بنسبة كبيرة بأن المسبب هو أحد فيروسات الإنفلونزا الموسمية.
الإنفلونزا هي عدوى فيروسية تنتشر بسهولة بين البشر، وهي منتشرة حول العالم ويمكن أن يصاب بها الإنسان في أي وقت بغض النظر عن جنسه أو فئته العمرية، ولكنها تنشط خلال فصلي الخريف والشتاء، وحينها تتحول الإنفلونزا العادية لإنفلونزا موسمية غالبا ما تكون حادة، والتطعيم هو خط الوقاية الأول. حدة نشاط الإنفلونزا الموسمية خلال هذه المواسم تعطيها القدرة على التسبب بأوبئة وتفشيات في عدة مناطق من العالم وخاصة لدى الفئات الأكثر عرضة: كبار السن والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة والأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح.
تتسبب الإنفلونزا الموسمية بحوالي 5 ملايين إصابة حادة حول العالم سنويا، يتوفى الله منهم ما يقارب نصف المليون، ولذلك هناك أوبئة موسمية ناتجة عن النشاط الموسمي للفيروسات المسببة للإنفلونزا الموسمية الحادة.
هناك ثلاثة أنواع رئيسية للفيروسات المسببة للإنفلونزا الموسمية: النوع (أ) والنوع (ب) والنوع (ج). يتسبب النوعان (أ) و (ب) في الأوبئة الموسمية كل عام، لكونها تنتشر بشكل روتيني بين البشر، ولكل منها سلالات مختلفة أو أنواع فرعية تعتمد على تكوين البروتينات على سطح الفيروس. فيروسات الإنفلونزا الموسمية السارية بين البشر الآن حول العالم هي فيروس الإنفلونزا الموسمية H1N1 المعروف بإنفلونزا الخنازير وH3N2 ، وكلاهما من النوع (أ) وأيضا النوع (ب) بسلالاته المختلفة. معرفة نوع الفيروسات السارية أمر مهم لتحديد اللقاح لكل عام قبل بدء موسم النشاط والتعديل عليه في حال تغير نوع الفيروس أو السلالة السارية. وللأسف فإن وزارة الصحة لا تقوم برصد حالات الإنفلونزا، وبالتالي فنحن لا نعلم نوعية الفيروسات الموسمية السارية في المملكة، ولا نعلم آلية اختيار اللقاحات للتطعيم الموسمي، ولا نعلم مدى فاعليتها، ولكن ما نعلمه أن اللقاحات المتواجدة في المملكة تقوم بتغطية الفيروسات السارية عالميا، أي تغطي الأنواع H1N1 و H3N2 والنوع (ب). ومع ذلك فإن عدة دول مجاورة كمملكة البحرين وقطر وعمان تقوم برصد أنواع فيروسات الإنفلونزا الموسمية أسبوعيا عن طريق تبليغ منظمة الصحة العالمية عن العينات الإيجابية للإنفلونزا الموسمية لديها حسب السلالة والنوع. وتقوم المنظمة بنشرها عن طريق أداة عالمية للترصد تسمى بشبكة الإنفلونزا (FluNet) حتى يتسنى للجميع تتبع نشاط الفيروسات والتنبه لأي أوبئة محتملة، وقبلها معرفة الدول الراصدة لنوعية فيروسات الإنفلونزا السارية على أراضيها حتى تستعد وتتخذ قراراتها المستنيرة فما يخص اللقاحات والأوبئة المحتملة.
الجدير بالذكر أن المملكة لا يوجد لها أي سجل لفيروسات الإنفلونزا الموسمية لدى منظمة الصحة العالمية في شبكة الإنفلونزا (FluNet) حتى خلال الحركة النشطة لوباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009 -2010 والذي أصاب أكثر من 30 ألف شخص وتسبب في وفاة أكثر من 18 ألفا حول العالم. هذه الإحصائيات المرعبة آنذاك قابلها صمت لوزارة الصحة، فلم تنشر عدد الحالات، ولا عدد الوفيات في بياناتها الإعلامية ولا في أي من كتبها الإحصائية السنوية، مع أنها كانت تصرح بنجاح جهود المكافحة لوباء ناتج عن فيروس لم تقم برصده.. وهذه إحدى الثغرات الرئيسية التي أطلت برأسها مع تفشي الفيروس الغامض الحالي.
فيروس كورنا على الجانب الآخر هو فيروس تاجي، وسمي بذلك لأن سطحه الخارجي يشبه التاج في زوائده وهو واحد من مئتي فيروس يتسبب في نزلات البرد على مدار العام، وهو لا يسبب الإنفلونزا، وإنما غالبا ما تكون أعراضه أخف حدة من الإنفلونزا الموسمية، ولا يوجد لقاح للتطعيم ضده. إذا ما الخوف الذي يحيط بفيروس كورونا المتسبب بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟ ولماذا أصبح فجأة أحد أفراد عائلة فيروس كورونا محط أنظار العالم أجمع؟
اكتسب هذا الفيروس الجديد شهرته بإحيائه لإرث فيروس كورونا المتسبب بالالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد، أو ما يعرف بـسارس، والذي كان شرسا في عام 2003 وتسبب بوباء عالمي حصد أرواح أكثر من 800 شخص. تتمثل الأعراض التي تم رصدها من حالات هذا الفيروس الغامض، فيروس كورونا المتسبب بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، في سعال حاد وضيق تنفس وحمى أدت إلى التهاب رئوي حاد لدى معظم المصابين، بالإضافة إلى أن بعضهم ظهرت عليه أعراض معدية معوية كالقيء والإسهال. هناك دليل على انتقال الفيروس من شخص لآخر في عدة بؤر، كبؤرة أحد المستشفيات وإحدى البؤر العائلية، ولكن طرق الانتقال ما زالت مجهولة، فلا نعلم حتى الآن هل كانت عن طريق السعال مثلا أم عن طريق ملامسة البيئة الملوثة حول المصابين. لا يوجد لقاح ولا يوجد علاج خاص بفيروس كورونا المتسبب بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ويعتمد علاج المصاب على خطة علاج دعمية لمعالجة الأعراض ومساندة جسمه في محاربته للعدوى بتنويمه في المستشفى وعزله وإعطائه المحاليل الوريدية والأكسجين والأدوية المساندة للتخفيف من الأعراض لحين شفائه أو وفاته، لا سمح الله. توفي نصف المصابين، وكان أغلبهم مصابا بفشل كلوي. ومن المهم التنبه بأن الفهم الحالي للفيروس والحالات المصابة هو في تطور وتغير بشكل يومي، وقد تتغير الأعراض كلما زاد فهم العالم لهذا الفيروس المجهول المصدر.