سيادة الرئيس: من وصفتهم بالواهمين والعابثين والفلول يشكلون أكثر من نصف الشعب المصري، وخلال فترة حكمك خسرت ملايين المتعاطفين الذين أصبحوا معارضين
حملت حافلات نقل الركاب التي يمتلكها الإخوان الآلاف من أنصار تيارات الإسلام السياسي من كل حدب وصوب، في واحدة من عمليات الحشد والتعبئة للمشاركة في مؤتمر نصرة سورية، وشاهدنا وسمعنا خطبًا منبرية ألقاها بعض المشايخ، ووصلة فنّية من أحد المنشدين، لتكون كلمة الرئيس مرسي مسك الختام.
تابعت خطاب مرسي باهتمام، بعدها راحت تتزاحم في رأسي الأسئلة عما إذا كان هذا المؤتمر حقًا لنصرة الشعب السوري أم لنصرة الرئيس ونظام الحكم الإخواني من خلال استعراض قوة، وبروفة لماكينة الحشد، تأهبًا ليوم 30 يونيو الجاري، الذي تتأهب له القوى المدنية المصرية، للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
بكل خشوع استمعنا لتلاوة آيات من الذكر الحكيم، واستمتعنا ببلاغة شيوخ السلفية والإخوان، خاصة اقتباساتهم من عيون الشعر العربي، الذي حرص الرئيس مرسي بدوره على استخدامه في كلمته حين ذكر بيتًا من قصيدة أحمد شوقي: سلام من صبا بردى أرق ... ودمع لا يكفكف يا دمشق، ولنتجاوز أخطاءه اللغوية التي اعتدناها منه، حتى في القرآن الكريم، حتى لا نتهم بالتربص بالرجل الذي تربى في جماعة إسلامية تُعلم أعضاءها عدم اللحن في القول.. لكن ما لفت انتباهي هو عدم عزف السلام الوطني المصري، فهل كان ذلك مجرد خطأ عفوي من منظمي الاحتفال، أم إنه مقصود، فقد كان بعض كبار المشاركين ممن يرفضون سماع السلام الوطني، ويرونه بدعة تقلد الغرب، وبالتالي فلا داعي لإغضابهم وشق الصفوف بسبب السلام الوطني، الذي لا يقيمون له وزنًا، لأن فكرة الوطنية في حد ذاتها مشوشة، ورؤيتهم لا تعترف بالأوطان، بل أممية الطابع.
خلصت كلمة مرسي لقرار بقطع العلاقات مع النظام السوري، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، كما دعا أيضًا لقمة طارئة لنصرة الشعب السوري دون توضيح ما إذا كانت قمة عربية أو إسلامية أو مشتركة، والمثير في هذا السياق أن علاقاتنا بسورية مقطوعة عمليًا منذ نحو عامين.
كما بدا مرسي حريصًا على ألا يذكر صراحة اسم حليفته الجديدة إيران، الراعي الرسمي للمذابح السورية، ومن زود بشار بالسلاح والمقاتلين ضد شعبه، فما سبب تجاهله لذكر إيران وتأنيب قادتها صراحة؟
حتى روسيا والصين لم يجرؤ مرسي على الإشارة إليهما، مع أن هاتين الدولتين تشكلان الظهير الدولي لنظام بشّار، وتحولان دون استصدار قرار من مجلس الأمن بفرض حظر جوي، أو فرض عقوبات أو حتى تسليح المعارضة وتدريبها، فلماذا لم يوبخ مرسي روسيا لما توفره من غطاء دولي لنظام بشّار؟
قصارى القول إن مهرجان نصرة سورية كان عنوانًا خاطئًا لهدف لم يعد خافيًا، حين اختتم مرسي كلمته بترديد الاتهامات المرسلة للمعارضين بأنهم واهمون وأنصار النظام السابق، وبقايا فلوله، وهددهم صراحة بأنه سيتعامل معهم بكل حسم، وهذا هو لبّ الموضوع، والهدف الحقيقي للمؤتمر.
سيادة الرئيس: من وصفتهم بالواهمين والعابثين والفلول يشكلون أكثر من نصف الشعب المصري على الأقل، فلم تحصل إلا على أكثر من نصف الناخبين بنحو اثنين بالمئة، وخلال فترة حكمك خسرت ملايين المتعاطفين الذين أصبحوا معارضين، لهذا فليس من المنطقي وصف ملايين المواطنين بهذه الألفاظ، واتهامهم بفزاعة الفلول، مع أنك وإخوانك كنتم تبرمون الصفقات السياسية مع نظام مبارك، وتربطكم علاقات غير بريئة بأجهزة الأمن، وهي موثقة في أرشيف تلك الأجهزة، أو بحوزة آلاف الضباط الذين عملوا بها.
وختامًا فإن ما سمعناه وما لم نسمعه من مرسي وأنصاره يشي بأن الحراك الذي صنعته حملة تمرد بدأ يؤتي ثماره بحشد الملايين للاعتصام بميادين التحرير وأمام قصر الرئاسة، بسلام وإصرار على عدم الاستدراج للعنف الذي يرتب له مهندسو الشر الشُطّار، فلو انزلقت الأمور لا قدّر الله للعنف والاقتتال والفوضى فلن يقف الجيش متفرجًا، بل سيذكر التاريخ أن مؤتمر نصرة سورية كان في حقيقته حفلا لاعتزال مرسي وجماعته الحكم.