سبق أن كتبت مرات عديدة عن مقتي الشديد لكل ألوان الطائفية العقيمة والنازية المذهبية والفاشية العنصرية، تلك التي ترى في الذات والجماعة اختيارا مقدسا وتميزا فريدا وأحقية مطلقة في امتلاك الحقيقة ومكوناتها الفكرية والتاريخية.
ففي ظل هذه الأجواء التي تعيشها المنطقة والمشحونة بشكل غير مسبوق بنزعة وهيجان اصطفافي أجده لزاما علي أن أجدد الدعوة لحكماء الأمة ورجالاتها المخلصين من سياسيين ومفكرين وقادة رأي الشيوخ منهم والشباب، لأهمية التنبيه عن خطورة هذا التأجيج الذي أصبح يزداد يوما بعد يوم، فالرد بالمثل والتعامل بذات الطريقة الخاطئة التي يقوم بها الطرف الآخر لا تعني معالجة تبعات المستقبل ولا تؤدي بالضرورة للبناء وحماية الذات والعباد.
إن كان هناك من يحاول إشعار النزعات والنزاعات على أساس العرق والطائفة فحري بنا أن نعمل على طمس تلك الحجج الواهية بالعمل على بناء القوى الداخلية بعقلية تتسامى على الفكر الطائفي، والذي تدلل كل كتب التاريخ أنه كان دوما الأساس في هدم الشعوب وزرع الفرقة بين أبناء الدين الواحد وأبناء البلد الواحد.
عالمنا اليوم يتحرك سياسيا وفق منهج فرق تسد الذي تطبقه القوى العالمية المحركة للسياسة الدولية، وذلك بعد أن أيقنت أن الاحتلال التقليدي لا يحقق مصالح هؤلاء الذين يسعون لهدم كياناتنا والظفر بخيرات بلادنا، وكما كانت في الماضي تجارب عديدة عملت على تحييد فكرة الاختلاف بين الناس وفق رؤاهم الفكرية فإن اليوم أصبح الاستثمار في تنمية الفروقات بين الناس، الوسيلة الناجحة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية التي يسعى المتربصون لبلادنا والمنطقة في تحقيقها.
إن ما يقوم به بعض الدعاة وبعض رجال الفكر والسياسة في المنطقة من اللعب بشعور العامة، بكرت الطائفية والقومية من أجل تجييش المشاعر ليس الوسيلة التي يمكن من خلالها بناء القوة الداخلية القادرة على الصمود، لأن القوة التي تبني اعتمادا على زرع الخوف هي زائلة مع زوال مسببات الخوف، وعليه فبناء الأمم لا يكون بزرع الخوف بل بالارتقاء بعقلية المواجهة والنظر للأمور بشكل منطقي يعتمد التحليل السياسي والمنطقي للأمور، ولا يمكن أن يبنى على عقلية تنجرف خلف العاطفة، والتي لا تدار السياسة بناء عليها بل هي تدار بناء على مصالح دول وتحالفات التكتلات وضمانات لاستمرارية عناصر البقاء.