طالب فداع الشريم

إن المسؤول الذي يعي ضرورة وأهمية ثقة المجتمع، لابد أن يحرص على بناء جسور هذه الثقة، ويعمل على كسبها، من خلال تقديم الرعاية المؤسسة على أسس تكفل توفرها لكل المواطنين، ويستطيع هذا المسؤول تلمس احتياجات أفراد مجتمعه ومعالجة القصور من بداياتها الأولى قبل أن تستفحل وتصبح ظاهرة، وبالتالي تتشكل وتصبح سمة يتم رمقها ولكن لا يتم التصريح بها، وتتابع مؤشرها، من خلال سلامة الأداء، أو ما يتبع وقوع القصور من شيوع ردود فعل اجتماعي، يتشكل على إثره قضية رأي عام.
كثيرة هي الحوادث الطارئة، والملمات التي تتوالى تباعاً على أرض الوطن، إهمال وحرائق، طرق ملتوية، كل تلك لها أسباب بعد الإيمان بالقضاء والقدر.
إن الواقع مغاير للمأمول، والتعامل مع تلك الوقائع دائماً ما يكون من خلال المسكنات الوقتية، حتى نشأت ذاكرة اجتماعية تتسم بالانفصام والانفصال، وأصبحت هذه الذاكرة عاجزة عن رؤية الظواهر التي تستحق المعالجة.
إن المسؤول الحكومي الذي يعي ثقل الأمانة أمام الله أولاً، وأهمية مشاركته بعلمه وصلاحياته، وبما يتوافر لديه من إمكانات مادية وأدوات بشرية، هو من سيعمل لبناء الوطن والإنسان، امتدادا لرسالته في الاستخلاف لعمارة الأرض، وسيبذل ما في وسعه من جهد لتوضيح الواقعة وتشخيص القصور الحاصل تحت مسؤوليته، ويستعين بالخبراء والعلماء الذين لديهم القدرة لمعرفة أسبابها، ومن ثم تحديد المسؤولية عن الحادث، ولماذا حدث؟ وكيف يمنع تكرار الخطأ، ويعلن عن كل تلك الخطوات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالي ضبط الرأي العام وتوجيهه التوجيه السليم.
فالمعالجة الصائبة للحوادث تتطلب قدرا كبيرا من الوعي والوضوح والشفافية والشجاعة، لكسب الثقة، قبل أن تترسخ في الذاكرة ثقوب يصعب رتقها، فما إن تقع حادثة إلا ويلفها النسيان كالعادة ومن ثم تفيق على حادثة أخرى، وهكذا!
فلكل مجتمع ذاكرة ولكل مجتمع مشاعر ولكل مجتمع حواس.. وتتفاوت المجتمعات في تلك الصفات.. وتتمايز وتختلف.. بالقدرات التي تشكل صورته، وتبرز مكانته .. وفي الجهة المقابلة، تصاب بعض المجتمعات بذاكرة هشة مخلخلة، قد تثور وترتفع الأصوات في حالة الطوارئ بالقدر الذي تنطفئ فيه تلك الجذوة وتخمد بل تنسى ولا تستفيق إلا بواقعة أخرى، وبالتالي يبقى على هذا الحال مكرراً حالته، ومنفصلا عن مسرح الظواهر التي تتوالى في مفاصله، وتضرب في أطرافه، وعلى هذا النحو تمضي السنوات ولا يكاد هذا المجتمع يعلم عن شيء كان يجب أن يتعلم منه ويأخذ منه ويتقيه.