م. عايض الميلبي
أزعم أن ثمة علاقة وثيقة لا تنفك تربط بين المعاناة والإبداع، وأكاد أجزم أن المعاناة بمنزلة الوقود لأي عمل إبداعي، فهي قد تفجر من الطاقات الكامنة لدى الإنسان ما لم يدُر بخلده في سالف عهده. وليس للإبداع الناتج عن هذه الحالة شكل معين أو مجال بعينه، بل يمتد لآفاق بعيدة متخطيا كل الحدود وكل المساحات الضيقة، التى تحكم كل ما هو عادي وما هو مألوف. وقد قال أبو العلاء المعري:
«وإني وإن كنت الأخير زمانه..
لآت بما لم تستطعه الأوائل»
وهو بذلك يحاول إثبات أن لديه قدرات ومهارات يضاهي بها ويتفوق على من سبقه.
إن الأدب العربي يزخر بأسماء كثيرة، ظل إبداعها حاضرا في بطون الكتب وصدور الرجال، ولا غرو أن خلف الكثير من تلك الأشعار والفنون شيء من النصب والعناء، حرض على ظهور إبداعات سجلها التاريخ، فبقيت خالدة عبر العصور والأزمان. ومما لا شك فيه أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا يتعرض لحزن وهم وأفراح وأتراح، ومصداق ذلك قول الخالق جل في علاه: لقد خلقنا الإنسان في كبد، أي في شدة وعناء، وهذا ما يسود مدة بقاء ابن آدم على ظهر الأرض، وإن تخلل ذلك فرح وسرور فهو لساعات أو لأيام معدودات. البعض يخيل إليه أن من أوتي مالا وفيرا أو جاها أو منصبا مرموقا، يعيش بسعادة وراحة نفسية دائمتين، وينسى أن كل ذلك ليس بالضرورة أن يكون مصدر رضاء وسرور، وفي هذا الشأن قال أحد الشعراء: «فلا تغبطن المترفين فإنه.. على قدر ما يعطيهم الدهر يسلب» إذاً، ما يكابده الإنسان ويقض مضجعه، قد يكون مصدر إبداع وتميز في مجال من المجالات، إذ إن ثمة مشاعر وأحاسيس ومتاعب شتى تختلج في صدر كل آدمي لها بالتأكيد دور في تشكيل حياته ومساره. وهذه المشاعر تختلف وتتباين من شخص لآخر، كما أن تفاعل وردة فعل الأشخاص تجاهها مختلفة أيضا حسب الفكر والثقافة ودرجة الوعي. ولأن الشعراء هم أقدر الناس على وصف متاعبهم وهمومهم، فإن عامة الناس يجدون سلوة ومتعة حينما يقرؤون أو يسمعون أبياتا تصور وتلامس معاناتهم الخاصة. قد تكون المعاناة ظلما أو فراق حبيب أو صديق أو مرضا أو غربة أو فقرا أو نحو ذلك، تختلف المسببات وتبقى النتيجة واحدة.